قبل سنوات قليلة قدم إلى مدينة سطيف الجزائرية حامل لقب الدوري الموريتاني آنذاك -كونكورد على ما أذكر- من أجل خوض مباراة ضد فريق وفاق سطيف تدخل في إطار الدور الأول من كأس العرب.
ألتقيت بالبعثة وببعض اللاعبين الذين اشتكوا كثيرا من مناخ المدينة المعروفة ببرودتها الشديدة في فصل الشتاء خاصة أنهم لم يتهيأوا لأمر كهذا ولم يحضروا معهم الملابس الشتوية.
لاعبين من الفريق نسوا أقمصتهم معلقة في منازلهم حيث كنت تغسل هناك، وبالتالي لم يعد الفريق يمتلك زيا متكاملا لخوض المباراة، لا ملابس احتياطية ولاهم يحزنون.
تدخل رئيس وفاق سطيف وقدم هدية للفريق الضيف تتمثل في طاقم ملابس كامل لكل الفريق ومن ماركة محترمة إضافة إلى تجهيزات أخرى، وطبعا كان على رفاق الحاج عيسى أن يكملوا أصول الضيافة على ملعب المباراة بأربعة أهداف بدون مقابل.
استحضرت هذه القصة وانا أتابع جرعة الوطنية التي لا يستحضرها الكثير من أبناء بلدي إلا حين ينتقدهم أحد الأشقاء.
حين تحدث هيكل عن عدم نضج التجربة الديمقراطية الموريتانية وهشاشتها انبرت الأقلام تتبدج المقالات والقصائد في ذم العجوز هيكل ونعته بأبشع الأوصاف، أعمتنا تلك الوطنية التي في غير محلها عن تلاعب العساكر بنا ليعلن وزير الثقافة عبر وسائل الإعلام بعد ذلك بأشهر البيان رقم واحد ولتعود حليمة لعادتها القديمة.
الكاتبة هويدا طه وكاتب آخر لا أذكره كتبوا عن انواكشوط وحالها وافتقارها لأي صفة من صفات المدن الحديثة، انبرت الأقلام تتغنى بمجد العلماء الشناقطة في سالف الدهر، ولم يفكر أحد أن بعيد ذلك بأسابيع كادت طائرة الخطوط الجوية الفرنسية تصطدم بحمار يرتع في مطار انواكشوط قرب مهبط الطائرات !
لم نفكر يوما أن المشكلة فينا نحن أبناء هذا البلد، نعم عاصمة بلدنا مازالت تعتمد في توزيع الماء الصالح للشرب على عربات يجرها حمير، الموزع الرئيسي للمواد الغذائية في العاصمة هو عربات الحمير !
المراكز التجارية في البلاد هي مرصت كبيتال وسوق الرزق ومرصت امسيد المغرب، ابعيد وورلد استريت بعد !، هذه الأسواق مكب للنفايات و .... أكرمكم الله.
في أكبر مؤسسة صحية في البلاد وفي أكثر الأماكن الصحية حساسية في البلد وهو إنعاش الحالات المستعجلة، نضطر إلى ضرب جهاز مراقبة الوظائف الحيوية للمريض (اسكووب) لأنه يتعطل مع أن شاشته كانت حتى عهد قريب "محزومة بشرويطة"، نعم نضربه باليد ليستعيد عافيته بينما نعتمد عليه لإنعاش مريض بين الحياة والموت !!!
لم يجن سكان مدينة اكجوجت من ثروات الذهب والنحاس التي تزخر بها مدينتهم غير سم السيانيد القاتل، لا بنى تحتية ولا تعليم ولا صحة ولا أي شيء، ولعله من المفارقة أن الإحصائيات الرسمية الصادرة من الحكومة تشير إلى أن أعلى نسبة بطالة في موريتانيا مسجلة في ولاية انشيري !!!
هذا مجرد غيض من فيض، واقترح على أبنائنا المفعمين بالوطنية أن يستشعروه وأن يسعوا إلى التغيير في بلادهم وبنائها وتسليح الأجيال القادمة بالمعرفة حتى يسيروا على خطى أجدادهم الشناقطة، حينها سيكتسبون احترام الجميع -وابلا اجميل- بدل تعاطفهم، وسينالون اعجاب الأشقاء بدل شفقتهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق