لا حديث يعلو في البلاد هذه الأيام فوق مبادرات الدعم غير المشروط لفخامة القيادة الوطنية مستخدما أبطالها كل ما هو ممكن من أجل تكثير السواد وإعلان ضروب الولاء، قبائل، أفخاذ، أسر، جهات، قرى، مدن، بشر، حيوانات، حجارة، سماء وأرض، صدقوني كلهم أعلن بعض المتحدثين في التلفزات الخاصة عن دعمهم ومؤازرتهم لترشح فخامته.
لموريتانيا تاريخ طويل مع الرئاسيات وفي كل مرة كان المواطنون ينقادون وفق فقه المرحلة، فحين تحظى الانتخابات بالجدية ويرى الناخبون بصيص أمل في التغيير تكون الانتخابات تنافسية كما هو الحال في 1992 و2007، وفي المقابل كلما أحس المواطنون بعبثية المشهد الانتخابي وبغياب التنافس الذي يجعل النتيجة محسومة سلفا نجدهم ينخرطون في مبادرات الدعم التي لا تنتهي لعل وعسى أن ينالهم حظ من وعود الحاكم التي غالبا ما تكون عرقوبية، رئاسيات 1997 و 2003 و 2014 تسير بنفس الوتيرة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه أين يختفي أصحاب هذه المبادرات حين يعيش صاحبهم أحلك ظروفه ؟
في مطلع الألفية أعلن الحزب الجمهوري أن حملة الانتساب تمخضت عن زهاء الثلاثين مليون منتسب من المواطنين الموريتانيين !
وفي 2005 دخل الوزير الأول السغير ول امبارك في مشادة كلامية مع نواب المعارضة في البرلمان وأعلن أنه سيبقى يدافع عن معاوية ول سيد احمد ول الطايع حتى آخر قطرة من دمه ...
شاءت الأقدار أن يخرج السغير بعد أسابيع في التلفزيون مباركا الانقلاب على النظام البائد –الذي يشغل الشخصية الثانية فيه- ومعلنا تأييده المطلق للأبطال الذين أنقذوا البلاد ووضع نفسه تحت تصرفهم.
طيلة الأشهر القادمة شهدت البلاد مسيرات الدعم والمؤازرة التي كان يقودها أبطال الحزب وأركان النظام الذين يلعنونه ! أحد كبار المتملقين في البلاد صرح بأنه دعم معاوية 21 سنة لأن اعل ول محمد فال كان مدير الأمن في عهده !
مع بداية بصيص الديمقراطية خفت صوت المتملقين ومارس الجميع السياسة بنوع من الجدية، ولكن حين أعاد العسكر البلاد للمربع الأول وبدأت المعارضة الجدية ترفض الدخول في اللعبة، برز المتملقون من جحورهم وطفقوا يخسفون عليهم من ورق المبادرات.
صرح رئيس حزب الاتحاد منتشيا في وقت سابق أن حزبه تنتسب له أكثر من مليون مواطن موريتاني وهو رقم يدعو للفخر حقا لأنه يعني أن كل الناخبين تقريبا استلموا بطاقات عضوية في الحزب الوليد، بيد أنه حين جرت اول انتخابات حصل الحزب على حوالي مئتي ألف صوت على اللوائح الوطنية فقط !
لكم أن تتصورا حال أصحاب هذه المبادرات لو أن قناة الموريتانية أذاعت البيان رقم واحد بعد أيام، لن يجد الرئيس المسكين مبادرة واحدة تدعو للتشبث به، بل إننا سنجدهم يتدافعون في مقدمة المباركين للمجلس الذي انحاز إلى خيار الشعب وأزاح نظام الفساد والظلم عن حكم البلاد.
أف لهم إنهم قوم يكثرون عند الطمع ويقلون عند الفزع