صحراء ميديا
انما المرء في الحياة معـــارٌ.... عن قريب يعاد من مستعيــــد
لا بقاءَ لحـــادث لا بقــــــاءٌ..... لســوى مبدئ الأنــام
المعيـــد
حضرت رائعة العلامة محمدو ولد محمدي رحمه الله في ذهني ونحن
نشيع صديقنا وأخينا الغالي الحافظ (ابي) ولد عبدات الى مثواه الأخير في مدفن لميلحة
بقرية النباغية حيث ووري جسده الطاهر الثرى بجانب الأولياء والصالحين من آبائه وذويه
عشية الجمعة 14 سبتمبر الجاري وذلك بعد وعكة صحية ألمت به لم تمهله سوى واحد وخمسين
ساعة صعدت بعدها روحه الزكية الى بارئها ما بين أذان واقامة صلاة الجمعة.
ولد الحافظ (ابيَّ) ولد عبدات في قرية النباغية سنة ثمان وسبعين
من القرن الميلادي الماضي بعيد وفاة جده الصالح الحافظ (ابيَّ) ولد بدي ولد سيدين العلوي
الذي حمل اسمه، وكفتيان القرية من أترابه درس الابتدائية والقرآن ونهل من معين معلم
الأجيال ومؤدبهم محمد ولد محمودا تغمده الله برحمته الواسعة، أكمل دراسته الاعدادية
والثانوية في العاصمة انواكشوط ليتحصل على شهادة البكالوريا العلمية عام 1998، انتقل
الى الجزائر وحصل عام 2004 على شهادة مهندس دولة في الاتصالات بتقدير مشرف ليكون أول
أبناء القرية ينال تلك شهادة.
عرف الفقيد باخلاصه في العمل واتقانه له وتفانيه طيلة تحصيله
العلمي ومساره المهني مبتغيا في ذلك رضا الرب سبحنه وتعالى، فقد كان أبعد ما يكون من
الرياء والتظاهر بالعبادات والطاعات، فقد شهد أحد أخلائه الذين ساكنوه في بيت واحد
طيلة دراسته الجامعية أنه كان ملازما للمسجد مواظبا على صلاة الجماعة وقراءة المصحف،
كان يخرج بهدوء دون لفت انتباه ليؤدي الصلاة في المسجد ناهيك عن صدقة السر وعطاياه
الجمة التي اخفتها يمينه عن شماله، كل أموره كانت لوجه الله لا يبتغي من ورائها جزاء
ولا شكورا وذلك لعمري شرط في قبول العمل فقد اخرج النسائي عن أبي أمامة رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان الله تعالى لا يقبل من العمل الا ما كان
له خالصا وابتغى به وجهه).
لقد استرجعت شريط الذكريات وقلبته تقليبا منذ زمن الصبا وحتى
اليوم اثناء تشييع الفقيد لعلي اذكر آخر مرة رأيته فيها يغضب فلم أوفق في ذلك، فقد
كان رحمه الله باسما نضر الوجه حلو الكلام يدخل السرور على جليسه، رواه الطبرانى عن
أبى الدرداء رضى الله عنه أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ( دلنى على عمل
يدخلنى الجنة: قال: لا تغضب ولك الجنة)، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: ( ما من شئ أثقل فى ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق
وان الله يبغض الفاحش البذئ) أخرجه أبو داود
فى سننه.
لقد عقد العزم هذه السنة على حج بيت الله وزيارة رسوله عليه
افضل الصلاة والتسليم وكان يسأل الله تيسير ذلك له وتوفيقه في أدائه، كان رحمه الله
يحمل الكلَّ ويعين على النوائب خادما للمسلمين صارفا همته في مصالحهم وقضاء حوائجهم،
اتصل بي ليلة مرضه ليطلب مني أن أتصل بأحد الأقارب ليستلم بطاقة تعريفه كان قد كلفه
باستخراجها له وليحل لي مشكلة فنية تعيق احصاء أحدهم وكان الوقت ليلا وهو في دوام من
الصباح الا أنه لا يضجر ولا يكل من خدمة الناس، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( أحب
الناس الى الله تعالى أنفعهم للناس)، واورد الطبراني (ان للــه عبادا اختصهم بقضاء
حوائــج الناس حببهم الى الخير وحبب الخير اليهـم اولئــك الآمنون من عذاب اللـه يــوم
القيامه).
كان الفقيد رحمه الله بسيطا متواضعا رحيما رفيقا لين الجانب
رقيق القلب عطوفا حنونا ظريفا تحلو مجالسته، روى الترمذي عن ابن مسعود رضى الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم
عليه النار؟ تحرم على كل قريب لين سهل).
مهما بلغت السطور لا يمكن أن تحيط بمآثر الفقيد أحرى أن تفيه
حقه، رحم الله الحافظ (ابيَّ) ولد عبدات وألهم ذويه الصبر والسلوان وأورده الريان،
وحسبنا في عزاء الأهل والأصدقاء ما رواه احمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن
الله تعالى يقول في الحديث القدسي: (ما لعبدى المؤمن عندي جزاء اذا قبضت صفيه من أهل
الدنيا ثم احتسبه الا الجنة)، انا لله وانا اليه راجعون.
*مقال تأبيني لصديقي طفولتي وأخي العزيز الحافظ
ولد عبدات تغمده الله بواسع رحمته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق