علي شريعتي

إذا لم تكن شاهدا على عصرك، ولم تقف في ساحة الكفاح الدائر بين الحق والباطل، وإذا لم تتخذ موقفا صحيحا من ذلك الصراع الدائر في العالم، فكن ما تشاء : مصليا متعبدا في المحراب أم شاربا للخمر في الحانات... فكلا الأمرين يصبحان سواء. د.علي شريعتي

الأربعاء، 13 فبراير 2008

الحركات السلفية في المغرب العربي


 صحراء ميديا
بدات الاحداث في الدول المجاورة وخاصة الجزائر  تلقي بظلالها على بلدنا خصوصا في السنوات الأخيرة حيث جرى ما يمكن تسميته بعولمة ظاهرة العنف الديني او ما يعرف بالارهاب والذي تتبناه الحركات السلفية  وهو ما يملي علينا محاولة دراسة الظاهرة  وظروف نشأتها.
يرجع المتتبعون  للوضع الأمني في الجزائر اول ظهور للعنف السياسي الى نهاية الثمانينات من القرن الماضي حين بدأ المئات من المقاتلين الجزائريين الذين جاهدوا ضد السوفيت بالعودة الى بلادهم مزهوين بالنصر الذي تحقق على احد قطبي العالم آنذاك  ليشكلوا بعد ذلك ما بات يعرف بظاهرة الأفغان العرب المتشبعين بالفكر الجهادي.
فالجزائر دولة اختارت منذ استقلالها المثال الاشتراكي الصارم الذي يعتمد على الجيش، وفي ظلّ التركيز طيلة أكثر من عقدين من الزمن على "ربح الزمن الضائع" من خلال برامج التعليم التي ارتكزت على "استعادة الهوية العربية والإسلامية"، وفي ظلّ جوّ عام من النظر بريبة إلى كل ما هو غربي، شكل التوجه الإسلامي أبرز أفق "للانعتاق" لدى الجزائريين.
وأقر الرئيس الأسبق، الشاذلي بن جديد، عام 1988، وتحت تأثير الظرف العالمي الذي شهد انهيار حائط برلين والمعسكر الشرقي، تعديلا أنهى سلطة الحزب الواحد المتمثل في حزب جبهة التحرير، وهو ما أدى إلى إنشاء عشرات الأحزاب، كانت  الدينية أقواها.
تاريخ الحركة السلفية
مر إقدام التيارات السلفية على حمل السلاح (قبل الجماعة السلفية للدعوة والقتال وتنظيم القاعدة وغيرها من التنظيمات المشابهة) بمرحلتين: الأولى، منظمة مثّـلها تنظيم "الإخوان"، الجناح المسلح للحركة الإصلاحية التي قادها الشيخ محمد عبد الوهاب وأتباعه في بلاد الحجاز في القرن الثامن عشر. أما المرحلة الثانية، فكانت على شكلٍ فردي عن طريق سلفيّـين من ألبانيا والبوسنة وتركيا وبلاد عربية أخرى، انضمّـوا إلى مقاتلين أرسلتهم حركة الإخوان المسلمين" المصرية للمشاركة في حرب فلسطين الأولى عام 1948.
وتنظيم الإخوان المسلمين، الذي أسسه الشيخ حسن البنا، هو تنظيم حركي، غالبية المنتمين إليه سلفيون في الاعتقاد، وقبلوا في نفس الوقت أشاعرة وماتريديين وصوفيين، كشكل من أشكال التسامح التنظيمي، الذي يمثل في الواقع تشكيلة المجتمعات العربية والإسلامية في أبسط حالاتها الحضارية، وهذا مفهوم متّـفق عليه في صفوف المنتمين إلى تنظيم الإخوان المسلمين ولم تخرق قاعدته لحدِّ الآن.
و قبل الحديث عن الجماعة السلفية للدعوة والقتال وعلاقتها بتنظيم القاعدة، تجدُر الإشارة إلى أن التيار السلفي شكّـل دوما وعلى مَـرِّ التاريخ الإسلامي، شكلا من أشكال التصحيح أحيانا، كما في تصرُّف العالِـم العز بن عبد السلام عندما أعان المظفر قطز لتولّـي الإمارة عبر انقلاب سِـلمي، بهدف وقف زحف التتار، وترجمت هذه الخطوة في معركة عين جالوت.
ومن أشكال السلفية، ما كان رجعية وتخلفا، مثل تصرف سلفِـيِـي الأندلس ضد ابن رُشد، رغم أن عالم وفيلسوف المغرب قد أعيد الاعتبار له في العصر الحاضر، وبشكل لا يصدق. فالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وهي مركز مُـهم من مراكز الفهم السلفي في الاعتقاد، تدرس الفِـقه في المذاهب الأٍربعة في كلية الشريعة عبر كتاب ابن رُشد الشهير، "بداية المجتهد ونهاية المقتصد".
وأخيرا، يبدو من أشكال السلفية، ما كان إصلاحا سياسيا ودينيا، يُـشرف عليه علماء ومفكرون، مثل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وحملة الأسانيد المتّـصلة لرواية الحديث الشريف في المغرب الأقصى، ولكن ضمن هذا التيار الأخير، هناك تياران سلفيان برزا كشكل من أشكال الاستقطاب الدعوي والحركي والأمني، هما "السلفية العلمية" و"السلفية الجهادية".
جبهة الإسلامية للإنقاذ (الفيس)
 تاسست عشية 18 فبراير 1989 في مسجد السنة بباب الزوار على يد عباسي مدني لتحصل على قبول رسمي من وزارة الداخلية يوم 6 سبتمبر من العام نفسه، وتضم خليطا من الاخوان المسلمين ومن السلفيين الجهاديين العائدين من افغانستان وتسعى الجبهة الى اقامة دولة اسلامية في الجزائر.
وتجدر بنا الإشارة هنا الى أن الجبهة تبنت سلسلة من الأنشطة الإجتماعية للوصول الى أهدافها من بينها مكافحة الفقر و مخلفات سنوات الاشتراكية التي بدات تلقي بظلالها على الاقتصاد، وقد انضوى تحت لوائها خليط من الإخوان المسلمين والسلفية الجهادية وجماعة الهجرة والتكفير.
شاركت الفيس في عام 1990 في اول انتخابات تعددية وحرة في الجزائر، فحصدت 953 مجلسا بلديا من اصل 1539 على التراب الوطني، و 32 مجلس ولائي من 48.
في السادس والعشرين من ديسمبر 1991 تم اجراء الشوط الأول من الإنتخابات التشريعية وكانت نتائجه كالتالي:
الجبهة الإسلامية للإنقاذ 188 مقعدا  من اصل 231 أي ما يقارب نسبة 82 في المئة.
جبهة القوى الإشتراكية  25 مقعدا .
حزب جبهة التحرير الوطني(الحزب العتيد و الواحد طيلة الفترة الماضية) لم يحصل الا على 15 مقعدا.
المستقلون حصلوا على ثلاث مقاعد.
وبعد تحليل النتائج التي تحصلت عليها الجبهة وخطابها الأصولي الواضح والذي اصبح يهدد بقاء الدولة  قررت القوات المسلحة وضح حد للمسار الإنتخابي وحل المجالس البلدية و الولائية وبداية فترة انتقالية في البلاد وكان ذلك في 11 يناير 1992.
الجماعة الاسلامية الجزائرية ( الجيا
 اسسها عبد الحق العيايدة 1989 وكانت تتينى منهج الهجرة والتكفير، أي تكفير الحاكم الذي لايحكم بما انزل الله ويقلد الغرب في ديمقراطيتهم وبعطل الحدود الشرعية، تكفير اهل الشوكة وهم المسؤولين السامين في الدولة والجيش والشرطة باعتبارهم جند الطاغوت، والرعاع أي عامة الناس الذين لم يقاتلوا الى جانب الجهاديين عملا بقاعدة الموالاة و البراء.
نفذت الجماعة أول عمل مسلح في 8/11/ 1991 أي قبيل إجراء الانتخابات البرلمانية التي ألغيت نتائجها بعد ذلك، فيما يعرف بثكنة قمار حيث قامت  بذبح عسكريين في جنوب الجزائر في منطقة ولاية الوادي.
ضمت الجيا في بداية التسعينيات من القرن الماضي اكثر من 26000 مقاتل متوزعين على عدة مناطق عسكرية في الجزائر وساعدهم صعوبة التضاريس ووعورتها في الاختفاء، نفذت الجماعة العديد من العمليات ضد الجيش والشعب فكانت تقتل الرجال وتسبي النساء والأطفال وتغنم الأموال,وقد قامت بالعديد من العمليات ضد الأجانب خاصة الفرنسيين كاعتداءات مترو باريس في 3 ديسمبر 1996، ومقتل رهبان فرنسيين بالجزائر واختطاف طائرة الخطوط الجوية الفرنسية وغيرها كثير، و نفذت ابشع عملياتها ايام امارة عنتر الزوابري الذي اعتلى هرم التنظيم عام 1996 بعد مقتل جمال زيتوني ليلقى حتفه بعد ذلك على يد الجيش لينفرط عقدها في ما بعد.
  الجماعة السلفية للدعوة والقتال
 خرجت من رحم الجماعة الاسلامية الجزائرية عام 1998 وقد اسسها حسان حطاب مع مجموعة ممن أخذوا على الجماعة الإسلامية ''منهجها التكفيري''،  وقد عين حطاب أميرا مؤقتا على الجماعة السلفية حتى أفريل ,1999 تاريخ تولي عبد المجيد ديشو المدعو ابو مصعب، قيادة التنظيم المسلح· وبعد مقتل  ديشو في أوت  من نفس السنة، اعتلى حسان حطاب هرم القيادة وظل يتزعمها الى غاية  صيف .2003 وتقول بيانات الجماعة السلفية، ان حسان حطاب استقال بمحض ارادته و''أصر عليها بعد مراجعته''، بينما تذكر مصادر أمنية انه تمت تنحيته عن طريق ''انقلاب أبيض'' من طرف رفاقه، الذين عينوا مكانه نبيل صحراوي، وحسان هذا يدعى أبو حمزة، من مواليد عام 1968 بحي بن زرقة ببلدية برج الكيفان في الضاحية الساحلية الشرقية للجزائر العاصمة، نشأ في ظروف اجتماعية جد صعبة· وبعد أن فشل في تخطي عقبة شهادة البكالوريا، التحق بصفوف الخدمة العسكرية كمجند في الجيش، وهناك يكون -كما تقول مصادر إعلامية- قد تعرف على عمار صايفي (عبد الرزاق البارا) في ثكنة عسكرية بسكيكدة، وبعد ايقاف المسار الانتخابي مطلع سنة ,1992 قرر حطاب حمل السلاح والانخراط في صفوف ''حركة الدولة الاسلامية''، التي أسسها سعيد مخلوفي صاحب الكتاب الشهير ''العصيان المدني''، الذي اعتبر آنذاك مرجعا في التمرد على السلطة قبل ان تنخرط في الجماعة الاسلامية الجزائرية.
  احتضنت جبال بومرداس الممتدة سلاسلها عبر سيد علي بوناب، اللقاء التأسيسي للجماعة السلفية للدعوة والقتال، وتحرير أول بيان لها في 14  سبتمبر  ,1998 وأصبحت المنطقة مركز القيادة العامة للتنظيم، قبل أن يتوسع نشاطها إلى أغلب مناطق شرق البلاد وفي بعض مناطق الصحراء، وهناك تم تحرير ميثاقها الذي يقول أنها ''جماعة مجاهدة، سلفية العقيدة والمنهج، تقاتل الحاكم المرتد عن الإسلام في الجزائر وأسياده من اليهود والنصارى لاسترجاع الخلافة الراشدة وتحكيم شرع الله ورفع الظلم والقهر، وهي امتداد للجماعة الإسلامية المسلحة وعلى منهجها قبل الزيغ والانحراف، فهي بذلك تمثل الخط الأصيل الذي بدأ به الجهاد في الجزائر''·  نشأت الجماعة السلفية نهاية سنة ,1998 وصدر أول بيان لها عنوانه ''الجماعة رحمة'' في 14 سبتمبر ,1998 أعلن فيه أن الجماعة المسلحة ''هي امتداد لما قام عليه الجهاد أولا''،  وتم الاتفاق على تغيير اسم ''الجماعة الإسلامية المسلحة'' إلى ''الجماعة السلفية للدعوة والقتال''، لكون ''الإسم الأول صار شعارا لدعاة الهجرة والتكفير وإليه تنسب الكثير من الأعمال التي يتبناها هذا المنهج''، ويتهمون ''الجيا'' بالانحراف بعد استيلاء عنتر زوابري على القيادة فيه، والاتفاق على تنصيب عبد المجيد ديشو أميرا على الجماعة، وأعلنت براءتها من ''المجازر الجماعية التي كان ''الجيا'' يرتكبها ضد المدنيين، ورفض أي شكل من أشكال الهدنة والمصالحة مع الحكومة·
  وقد ضمت في بداياتها حوالي 1500 مسلح يقودهم بعض العسكريين الفارين من أجهزة الجيش والأمن  ويسمون تأسيس الجماعة  بالوحدة الثانية - لقاء الوحدة الأولى سنة 1994 الذي صهر كثيرا من الجماعات المسلحة تحت لواء الجيا - و حضر التأسيس قادة وممثلو الجماعة الإسلامية المسلحة من المناطق الثانية والخامسة والسادسة والتاسعة، وغاب عنه قادة الغرب والمنطقتين الرابعة والثالثة، ويعتقد أن عناصر بارزة في المنطقتين الأولى والسابعة زكت اللقاء حتى وإن لم تحضره، واستطاعت الجماعة السلفية فيما بعد، استقطاب بعض المجموعات التي كانت تنشط في المنطقة الأولى، بعدها التحقت المنطقة الرابعة، وبعدها جزء من المنطقة السابعة وكتيبة الفرقان النشطة (غليزان)، ولم تكد سنة 2002 تشرف على نهايتها حتى كانت الجماعة السلفية قد ورثت تقريبا كل النسيج البشري والتنظيمي لـ''الجيا''، وأصبحت الرقم الأول وسط الجماعات الأخرى· 
نبيل صحراوي ويدعى أبو إبراهيم مصطفى، من مواليد سنة 1969 في ولاية باتنة، وله تكوين جامعي وبعض الثقافة الدينية مقارنة برفاقه، خلف حسان حطاب بعد تنحيته من إمارة الجماعة السلفية صيف ,2003 وكان حينها يرأس مجلس الأعيان فيها، وقبلها كان على رأس إمارة المنطقة الخامسة في الجماعة الإسلامية المسلحة، وتضم منطقة الأوراس وتبسة والمناطق المجاورة في الجنوب الشرقي، ولوحظ حينها أن غالبية الموقعين على بيان تنحية حطاب وتعيين الأمير الجديد، هم من خصوم عبدالرزاق ''البارا'' أمير ''المنطقة الخامسة''· ومن بين هؤلاء نبيل صحراوي نفسه، الذي يعتقد أن ''البارا'' عزله في ,1999 ويوسف أبو بصير الذي كان يضمن تزويد ''الجماعة السلفية'' بالأسلحة والذخيرة عبر شبكات الجنوب قبل أن يُبعده عمار صايفي المدعوعبد الرزاق البارا ، ومختار بلمختار المدعو بلعور ''أمير المنطقة التاسعة''، التي تشمل الصحراء الكبرى، ودخل في خلافات شديدة مع البارا حول النفوذ وزعامة العناصر المسلحة النشطة جنوب الصحراء الى ما داخل دول الساحل·  ولم تدم فترة إمارته سوى حوالي عام، بعد ان أعلن عن مقتله رفقة أربعة من رفاقه على أيدي قوات الجيش شهر جوان 2004 بالقرب من منطقة لقصر الجبلية بولاية بجاية· عندما جاء نبيل صحراوي، وجد الجماعة تمر بظروف صعبة للغاية، فإلى غاية ذلك التاريخ فقدت ''الجماعة السلفية'' منذ ,2001 أكثر من 150 عنصرا غالبيتهم في ''المنطقة الثانية'' شرق العاصمة، منهم من قتل ومنهم من سلموا أنفسهم إلى أجهز ة الأمن، كما تم  تفكيك شبكات دعم وإسناد أدت الى اعتقال أكثر من 230 شخصا لم يكونوا أصلا محل متابعات قضائية، حاول نبيل صحراوي إعطاء نفس جديد للجماعة وبعث نشاطها من جديد، وكان من أول ما قام به، نقل مركز قيادة الجماعة من منطقة سيد علي بوناب في ولاية بومرداس، إلى مرتفعات جبال أكفادو المنيعة بين ولايتي تيزي وزو وبجاية، للتخلص من الضغط الأمني الشديد، وجرت في عهده تصفية عدد من عناصر الجماعات التائبين، ممن تولوا الوساطة مع رفاقهم في الجبال للاستفادة من العفو وترك السلاح· 
بعد مقتل نبيل صحراوي اصبح عبد المالك درودكال وكنيته أبو مصعب عبد الودود ( 37 سنة )، الأمير الوطني للجماعة السلفية،وهو من مواليد قرية زَيان التابعة لبلدية مفتاح بولاية البليدة، وبها زاول كل مراحله التعليمية و تحصل على شهادة البكالوريا شعبة الرياضيات سنة 1989، قبل ان يلتحق بجامعة البليدة فرع التكنولوجيا، وفي ديسمبر 1993، التحق رسميا بالنشاط المسلح، ونظرا لطبيعة دراسته أسندت إليه مهمة صنع المتفجرات بمجرد صعوده الجبل، وذلك بحكم تخصصه العلمي واطلاعه على المواد الكيميائية والقواعد الميكانيكية، وفي سنة 1996 كلف برئاسة كل ورشات التصنيع العسكري وبالتكوين، وفي سنة 2001م التحق بإمارة الجماعة السلفية ممثلا عن المنطقة الثانية في مجلس أعيان الجماعة حتى سنة ,2003 بعد عزل حسان حطاب عن إمارة الجماعة، خلف الأمير الجديد إبراهيم صحراوي وشغل مكانه رئيسا لمجلس الأعيان، وزكى مقتل الدبلوماسيين الجزائريين على يد جماعة أبو مصعب الزرقاوي في العراق، وقال أن موقفه هذا هو ''تطبيق عملي لعقيدة الولاء والبراء''، وقال عنهما في بيان أنهما يمثلان ''النظام المرتد لدى حكومة الاحتلال''، ومثل سلفه إبراهيم صحراوي، وقف درودكال موقفا متصلبا من مشروع ميثاق المصالحة الوطنية، ورفضه في الشكل والمضمون·  
وفور اعتلاء درودكال إمارة التنظيم بدأ بتوسيع التنظيم ليشمل الدول المجاورة وهو ما يمكن وصفه بعولمة الجماعة السلفية فقد  أعادوا خلط أوراق الجماعة السلفية ومجموعاتها النشطة في الصحراء· وخلف الحدود الجزائرية الجنوبية في عمق التراب النيجيري والمالي،  بعد أن وقعت القطيعة والعداء المطلق بين الفريقين، وظلت الجماعة السلفية للدعوة والقتال طوال سنوات، تتخذ من المناطق الصحراوية الواقعة في عمق دول الصحراء والساحل المجاورة، قاعدة خلفية للتزود بالسلاح والذخيرة والمئونة الغذائية، وحتى للتدريب والتكوين العسكري واستقطاب مجندين جدد من دول الصحراء، واستطاع مختار بلمختار أولا، ثم عبد الرزاق البارا، أن يجعلا من المنطقة مركز الثقل الرئيسي في جغرافية الجماعة وأسسا عدة كتائب هناك· منها طارق بن زياد والملثمون واشتروا ولاء ودعم أعيان القبائل الصحراوية الفقيرة، ومن هؤلاء كانت جماعات التوارق، لكن أحداث 23 ماي بمنطقة كيدال، العاصمة الجهوية لتوارق دولة مالي، غيرت المعطيات بعد أن أعلن التوارق تمردا مسلحا ضد حكومة باماكو المركزية ودخلت الجزائر طرفا وسيطا نجح في جر الطرفين إلى توقيع اتفاق سلام، وهو ما قاد التوارق إلى دعوة عناصر الجماعة السلفية للخروج من المنطقة ·وفي منتصف سبتمبر من العام الماضي، رصد التوارق كمينا بالقرب من برج باجي مختار  قضوا فيه على قائد بارز في الجماعة السلفية هو عبد الحميد زرفاوي وجرحوا آخرين، وردت الجماعة بشن هجوم انتقامي بعدها حوالي شهر قتلوا فيه تسعة من متمردي التوارق قرب قرية اروان الواقعة على مسافة 150 كيلومترا من كيدال· وعلق حينها مسؤول بارز بالجيش الامريكي ''لا أحد منهما سيتراجع، التوارق لديهم ميزة انها جلبتهم· ولكن الجماعة السلفية للدعوة والقتال لديها تاريخ طويل من النشاط في السوق السوداء والاتجار في الاسلحة·انهم ليسوا خصما يسهل التغلب عليه''·
وأثار ذلك حالة طوارئ كبيرة في صفوف التوارق من حركة 23 ماي، وقال مسؤول بارز لهم معلنا بداية حرب البقاء للأقوى مع الجماعة السلفية.
  وتجدر بنا الإشارة هنا الى أن البارا الذي ذاع صيته عالميا بعد اختطافه 32 فردا من السياح الأوروبيين والألمان مطلع سنة  2003 وحصوله على 4ملايين و 250 الف اورو من الحكومة الألمانية كفدية مقابل اطلاق سراحهم، اضطر في احد تنقلاته على الحدود التشادية ـ الليبية الى ملاقاة قوة جوية للجيش النظامي فرقت مجموعته وقضت على عدد هام من عناصره، غير أنه هرب ليقع في يد مقاتلي المتمردين على نظام نجامينا، الذين اعتقلوه قبل تسليمه للجزائر بعدها بشهور وهو الآن نزيل سجن ساركاجي بالعاصمة الجزائر،وقد شكل ذلك ضربة قوية للجماعة السلفية ونسف كثيرا من مخططاتها في الجنوب،الا انه ينبغي علينا ان نشير الى أنه كان برفقته معتقلين موريتانيين اثنين لم ندر مصيرهما.
أما بلمختار او بلعور وهو جندي سابق قاتل في أفغانستان، امتدت منطقة عمله غربا الى الأراضي الموريتانية، وقد تحدثت بعض التقارير عن سيطرته على تجارة السلاح والمخدرات وتهريب السجائر في منطقة الصحراء الكبرى وقد تبنى هجوم المغيطي 2005 ، وقد دخل في مفاوضات مع السلطات الجزائرية منذ أشهر بغية استفادته من تدابير المصالحة الوطنية مما أدى إلى عزله عن قيادة كتيبة الساحل و الصحراء التي تأمرها جاودي.
القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي
 شكل إعلان انضمام الجماعة السلفية إلى ''القاعدة'' من طرف الرقم الثاني في القاعدة أيمن الظواهري، مطلع شهر سبتمبر من العام الماضي،  تطورا هاما كان له صدى إعلاميا وسياسيا كبيرا في أوروبا والغرب بالخصوص، حتى وان لم يكن في الحقيقة سوى تتويجا لاتصالات قديمة ونشطة اعترف فيها قادة السلفية أنفسهم بالقاعدة وقادة فروعها خاصة مع الأردني أبو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، وجاء في إعلان الانضمام دعوة الظواهري السلفية إلى استهداف رعايا الدول الغربية ومن سماهم بـ''الصليبيين''، ولم يدم على ذلك فترة طويلة حتى نفذت السلفية عملية ضد موظفي وعمال شركة محروقات أمريكية تعمل في الجزائر بالقرب من بوشاوي على بعد كيلومترين من قصر الأمم، أسفر عن مقتل شخص وجرح تسعة آخرين بينهم ثمانية أجانب، واستهدف الاعتداء حافلتين تقلان موظفين تابعين لشركة بي·ار·سي الأمريكية الفرع في شركتي سوناطراك وهاليبرتن الأمريكية.
وتتكون القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من الجماعات المقاتلة التالية:
 جماعتين مغربيتين هما "السلفية الجهادية"، التي قالت السلطات إنها تقف وراء الأعمال الانتحارية، وكذلك "الجماعة المقاتلة الإسلامية المغربية"، و كشفت التحقيقات في إسبانيا أنّ عناصر مغربية تنتمي للجماعة المقاتلة شاركت في الهجمات التي هزّت مدريد في 11 مارس/آذار 2004.
وفي الآونة الأخيرة، قالت السلطات الإسبانية إنّ المغربي مبارك الجعفري أشرف على تدريبات في معسكرات تابعة لتنظيم القاعدة في أفغانستان عام 2001، وهو ينشط حاليا في مجال استقطاب انتحاريين ومقاتلين يتم إرسالهم إلى العراق.
وفي تونس يرى الخبراء أن لا وجود لجماعة في الأراضي التونسية لكن التونسيين من أكثر الناشطين عالميا في القاعدة، ونفذت القاعدة اولى هجماتها في تونس في  منتجع جزيرة جربة عن طريق عملية انتحارية في أبريل/ نيسان 2002، نفذها تونسي بأمر من مهندس هجمات 11 سبتمبر/ أيلول2001 ،خالد شيخ محمد، بواسطة هاتف نقال من مخبئه في باكستان.
الا ان نهاية 2006 وبداية 2007 حدثت اشتباكات مسلحة في تونس بين قوات الأمن، مدعومة بالجيش، وعناصر وصفتها السلطات التونسية بـ "مجرمة"، والتي قالت لاحقا إنّها على علاقة بعناصر "سلفية" في الجزائر، وقد تم قتل أغلبها واعتقال الآخرين، وتجدر الإشارة انه كان من بين القتلى مواطن موريتاني.
وفي ليبيا فقد أعلنت الجماعة الإسلامية الليبية انضواءها تحت تنظيم  القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي  وقد تجلى ذلك في الهجوم الذي شنه عناصر قادمة من ليبيا على طائرة عسكرية في مطار جانت جنوب شرق الجزائر قبل ان يعودوا ادراجهم الى ليبيا شهر نوفمبر الماضي.
اما موريتانيا فتشير بعض  الأخبار المستقاة من عناصر سلفية جهادية الى أن الجماعة السلفية الموريتانية والتي يتزعمها شيخ موريتاني يكنى بالشيخ الشنقيطي و هو بدوي يكره التصوير والإعلام، لم تعلن انضمامها الى القاعدة بل لاتزال تنظر بعين الريبة الى التحالف الذي ابرمه درودكال مع الظواهري، وتتمركز هذه الجماعة في شمال موريتانيا وتعلن عدم اعترافها بسلطة انواكشوط التي تصفها بالمرتدة، كما تاخذ الإتاوات على القوافل التجارية والمهربين الذي يمرون في مناطق تواجدهم، الا انه حين بدأ الجيش الموريتاني يتواجد في تلك المنطقة أصبح يضايقهم وهو ما دعاهم الى الاستنجاد  بالقاعدة لتنفيذ عملية لمغيطي ولعل ذلك أيضا يمكننا من فهم عملية القلاوية الأخيرة والتي لم تتضح ملامحها لحد الآن وسط تضارب تصريحات الحكومة.
ونشير هنا الى أن علاقة السلفيين الموريتانيين بنظرائهم في الجزائر وقتالهم الى جانبهم امران لا مراء فيهما ففضلا عن الأحداث الأخيرة في الاك و الغلاوية، فان اثنين على الأقل من الموريتانيين اعتقلا رفقة عبد الرزاق البارا من قبل المتمردين التشاديين ربيع 2004 وقد اعلن قادة المتمردين بان أي بلد لم يطلب تسليم مواطنيه وانهم قد يطلقون سراحهم باستثناء البارا نفسه الذي تسلمته الجزائر بوساطة ليبية لأن المتمردين حركة غير معترف بها دوليا و بالتالي لا يمكن مفاوضتها على التسليم لأن في ذلك دعم لها على حساب النظام في نجامينا، وقد قامت القناة الفرنسية فرانس 2 باجراء تحقيق عن المجموعة و برز فيه موريتاني هو امام المجموعة الذي يصلي بها وطلب من الصحفي الدخول في الإسلام وصرح يأنه وجد قوما يدعون الى اقامة دولة اسلامية فخرج معهم.
وفي ديسمبر 2006 قتل مواطن موريتاني في تونس مع مجموعة سلفية قادمة من الجزائر كانت تنوي تنفيذ عمليات في تونس وما زالت السلطات التونسية تتحفظ على جثته حسب بعض المعلومات الواردة  في اكتوبر الماضي، وفي يوليو الماضي قتل موريتاني بنيران  الجيش الجزائري اثناء تبادل لإطلاق النار مع مجموعات مسلحة في جبال تبسة جنوب الجزائر، ناهيك التبني الواضح لمعتقدات السلفية الجهادية من قبل بعض الطلبة الذين يزاولون دراستهم الجامعية في الجزائر الا انه لحد الآن لم نتوصل الى ما يثبت مشاركتهم  في اعمال ارهابية او القيام بتدريبات عسكرية.
هذا اضافة الى  المجموعات التي اعتقلها الأمن الموريتاني في السنوات الماضية والتي اعترفت بتلقيها تدريبا عسكريا في معسكرات الجماعة السلفية للدعوة و القتال.
السلفية العلمية
تمثل السلفية العلمية، الحل السحري أو التقليعة التي ابتكرتها مصالح الأمن الخليجية في أعقاب غزو الرئيس العراقي الراحل صدام حسين للكويت، حيث كان خطر استقطاب الإسلاميين العرب الأفغان واردا لضرب المصالح الأمريكية في كل من المملكة العربية السعودية والكويت، فكان أن خرجت السلفية العلمية، التي فسرت قرار الاستعانة بالقوات الأمريكية على أنه "اجتهاد حاكم" وأن الخروج على الحكَّـام "كبيرة من الكبائر".
ويصفها السلفيون الجهاديون  ب "الإنبطاحية" وتارة ب "البلاطية" لأن جل شيوخها ومقكريها يتولون مهام رسمية بدأ بالشيخ عبد العزيز آل الشيخ الذي يشغل منصب الإفتاء في السعودية، وقد افتى ائمة السلفية العلمية بحرمة العمليات الاستشهادية في فلسطين واعتبارها قتلا للنفس كما اقتوا بحرمة الجهاد في العراق و الخروج على بول بريمر باعتباره وليا لأمر المسلمين في تلك الديار.
نشير هنا الى ان التيارات السلفية الثلاث "التهجرة والتكفير"، "السلفية الجهادية المتمثلة في القاعدة" و "السلفية العلمية"تتناصب  العداء، بل كل يعتبر الآخر عدوه الأول.
ففي الجزائر بدأت الجماعة السلفية بتصفية عناصر الجيا عملا بقاعدة العدو القريب ولم تعترف القاعدة بهم كممثلين لها الا بعد ابادة اغلب عناصر الجيا حيث يعتبرونهم خوارجا.
الا أن الاحداث الأخيرة في الجزائر والتي راح ضحيتها ازيد من 300 مئة مواطن قتلوا في تفجيرات عمياء اماطت اللثام عن تجدد الصراع بين القاعدة و الجيا، فقد تولى امارة وسط الجزائر-وهي التي نفذت جل العمليات- المدعو حذيفة ابو يونس العاصمي وهو محسوب على فلول الجيا وبدأ بتقويض سلطة امير التنظيم درودكال الذي باتت امرته تعيش آخر ايامها على حد قول بعض المتتبعين للشأن، وقد أعلنت مؤخرا شخصيات سلفية فاعلة في التنظيم اعتزالهم العمل المسلح والدخول في المصالحة الوطنية بعد أن "غلبت قيادة التنظيم  فكر الخوارج على المنهج السلفي خلال السنوات الأخيرة وقد توضحت الصورة أكثر مع "استقالة" حسان حطاب في أوت 2004 وتعيين قيادات بارزة من رموز "الجماعة الإسلامية المسلحة" على رأس تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" حسب ما ورد في بيان للمدعو "ابو المثنى" وهو أحد مؤسسي الجماعة السلفية للدعوة والقتال، وهو ما  كان ورار قرار الرجل الثاني في تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري فصل "الجماعة الليبية المقاتلة" عن "القاعدة في المغرب الإسلامي" ووضعهم تحت إمارة "أبو الليث الليبي" مساعد أيمن الظواهري والذي تعتقد أجهزة الاستخبارات الأمريكية أنه مستقر بمنطقة وزيرستان بين الحدود الأفغانية الباكستانية.
قناة العربية + صحف جزائرية + مصادر أخرى

ليست هناك تعليقات: