علي شريعتي

إذا لم تكن شاهدا على عصرك، ولم تقف في ساحة الكفاح الدائر بين الحق والباطل، وإذا لم تتخذ موقفا صحيحا من ذلك الصراع الدائر في العالم، فكن ما تشاء : مصليا متعبدا في المحراب أم شاربا للخمر في الحانات... فكلا الأمرين يصبحان سواء. د.علي شريعتي

الأربعاء، 19 مارس 2014

الطيور على أشكالها تقع

"وقد تباحث الطرفان المواضيع ذات الاهتمام المشترك وأتفقا على تنسيق المواقف فيها"
كانت هذه العبارات القليلة أهم ما رشح –على قلته- عن الزيارة الخاطفة التي أداها الرئيس محمد ولد عبد العزيز قبل يومين إلى جمهورية غينيا الاستوائية والتي وصفتها بعض وسائل الإعلام بالزيارة "غير واضحة المعالم والأهداف"، لم أفتأ أطرح على نفسي التساؤل عن  ماهية القضايا ذات الاهتمام المشترك بين الطرفين وما يجمع بينهما من مسائل تستدعي من ول عبد العزيز أن يستجدي نصح العجوز الغيني الذي جاوز السبعين خريفا ؟
لم يحظ  الرئيس الغيني اتيودور انغيما في صغره بالكثير من التعليم وحتى أنه كاد يضيع مستقبله بسبب ممارسته للسطو والبلطجة، وكان ذلك ما دفع ابن عمه الضابط العسكري فرانشيسكو انغيما إلى تعهده وادخاله إلى مدرسة أبناء حرس الحدود في المستعمرة الإسبانية عام 1963 ليتم تأهيله فيها خلال سنة مكنته من اللحاق بالأكاديمية العسكرية في سراقسطة حيث تخرج منها جنديا سائقا وميكانيكيا للسيارات.
غداة استقلال البلاد أضحى ابن عمه ومتعهده رئيسا للبلاد وهو ما مكن صاحبنا من العمل مديرا للعتاد في وزارة الدفاع ثم قائدا لقوات النخبة المتواجدة في العاصمة ثم قائدا للجيش ونائبا لوزير الدفاع،  وفي صبيحة الثالث من أغشت 1979 أعلن المجلس الأعلى بقيادة تيودور انغيما أن النظام البائد تم وضع حد لسلطاته.
منذ ذلك الحين واتيودور هو الزعيم الأوحد للبلاد التي صنفتها منظمة " انترناسيونال ناركوتيكس باورد" كأحد أكبر البلدان المصدرة للمخدرات في افريقيا، فضلا عن أنه تم اعتقال عديد الأشخاص المقربين من النظام بتهمة تهريب المخدرات.
قبل سنوات أصبحت غينيا الاستوائية ثالث أكبر مصدر للنفط في افريقيا وتبلغ عائداتها سنويا أزيد من 3 مليارات دولار، ومع كل ذلك يعيش غالبية السكان البالغ عددهم نصف مليون نسمة بأقل من دولار في اليوم حسب منظمة الأمم المتحدة مع أنه من الناحية النظرية يجب أن يبلغ متوسط دخل الفرد من الناتج المحلي أزيد من 26 ألف دولار سنويا.
في مقابلة له مع فرانس 24 صرح الرئيس الغيني الاستوائي أنه لا يتقاضى أي راتب من الخزينة العمومية لأنه يعف عن المال العام ويتنزه عنه، سأله الصحفي ولكن كيف تعيش؟ فكان جوابه: الحمد لله انا مدير للعديد من الشركات ومستثمر ومقاول كبير وأعيش من عائداتها !
تصنف مجلة فوربس الرئيس اتيودور كأحد أغنى الرؤساء في العالم بثروة تقدر بحوالي 600 مليون دولار، فهو المقاول الأول في بلاده كما أنه المستثمر الأول في شركات المعادن والنفط والمحروقات والخدمات والنقل و ....، لا ينافسه في ذلك غير نجله اتيودور الصغير الذي تلاحقه المنظمات الدولية في فرنسا وجنوب افريقيا والولايات المتحدة بسبب ثرائه الفاحش والمشبوه.
 لا نحتاج اذا الى كبير جهد لفك طلاسم القضايا المشتركة بين الرئيسين عزيز واتيودور، بل تكاد سيرتهما تتطابق، فهذا ول عبد العزيز لم يتحصل على أي شهادة مدرسية وعاش طفولة عرفت نوعا من التسيب قبل أن يلتقطه ابن عمه ويتعهده في المؤسسة العسكرية التي كونته في ميكانيكا وسياقة السيارات وعمل لاحقا في ادارة العتاد بالقوات المسلحة ثم قائدا لقوات النخبة في العاصمة فقائدا للأركان الخاصة دون أن ننسى قلبه لظهر المجن على ولي نعمته وابن عمه، ولعله من الطرافة أن عزيز واتيودور وصلا للسلطة عبر انقلاب في الثالث من أغشت وترأس كل منهما المجلس الأعلى للدولة.
لم يكن عزيز أيضا بمنأى عن تهم الاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال ولعله اعترف ببعضها في لقاء الشعب بمدينة النعمة لكنه اعتبر ذلك قبل توليه الرئاسة، بعد توليه الرئاسة أصبح ول عبد العزيز مقاولا ومستثمرا في عدة مجالات وخاصة المحروقات والمعادن والطرق والعقار وغيرها من المجالات المدرة للثراء وبأي ثمن، يرتبط اسم أحد أبناء عزيز بصفقات مشبوهة كبيرة ولعل آخرها صفقة بناء محطة انواكشوط الكهربائية التي اعتذر البنك الاسلامي للتنمية عن تمويلها بسبب فساد شابها قبل أن يتدارك الأمر ويعلن أنه قرر دراسة جديدة لتمويل المشروع ربما ستأخذ بعين الإعتبار الموقف من التيار الإسلامي ومضايقة بعض رموزه، وجه الإختلاف الوحيد بين الزعيمين لعله يتلخص في تورع رئيس غينيا عن راتبه ومستحقاته وهو ما لم يقتنع به نظيره الموريتاني.
تلك هي باختصار المواضيع ذات الاهتمام المشترك بين فخامة القائدين الذين يتربعان على ثروات طائلة ويعيش أبناء شعبهم في فقر مدقع، ولكم إخوتي الأعزاء أن تتوجسوا خيفة من التنسيق الذي سيتم في الفترة القادمة بينهما، وقديما قيل أن الطيور على أشكالها تقع.


الجمعة، 21 فبراير 2014

ضحايا الميدان بين القاهرة وكييف

وحدات كومندوز المعارضة الأوكرانية
" ما حدث لا يمكن وصفه ولا تبريره ولا التغاضي عنه "
بهذه الكلمات وصف الرئيس الفرنسي الهجوم الذي قامت به قوات مكافحة الشغب الأوكرانية يوم الثلاثاء الماضي على ساحة "الميدان" في العاصمة كييف والذي خلف سبعة قتلى من المعارضين المعتصمين واثنين من الشرطة إضافة إلى عشرات الجرحى في صفوف الطرفين.
تعود الأزمة الأوكرانية الحالية إلى قرار الرئيس يانوكوفيتش إدارة ظهره للاتحاد  الأوروبي وتوقيع اتفاق شراكة مع روسيا مقابل وعود بمساعدة مالية تفوق ما عرضه الأوربيون قبل شهرين من الآن،  حينها قرر المعارضون المقربون من بروكسل استلهام تجربة الشباب العربي ومحاكاة ربيعهم مع أنهم حازوا فضل السبق في التغيير الثوري عبر ثورتهم البرتقالية عام 2004 ، احتشد المعارضون في ساحة الاستقلال التي أطلقوا عليها اسم "الميدان" تيمنا بميدان التحرير في أرض الكنانة.
في التاسع عشر من يناير الماضي حصلت أول صدامات بين الشرطة والمحتجين الذين أطلقوا حملة للسيطرة على المباني الحكومية بغية حمل النظام على الاستجابة لمطالبهم، وحدات كوماندوز من اليمين المتطرف تلبس ملابس عسكرية ومدربة تدريبا جيدا استطاعت إلحاق الهزيمة بالشرطة والسيطرة على الأماكن الإستراتيجية في كييف ومدن غرب البلاد.
في الجانب الآخر من العالم، أطلقت ماكنة القتل التابعة للمؤسسة العسكرية والأمنية المصرية حملة ضد الإخوان المسلمين وكل من تسول له نفسه أن يهتف بغير "كمل جميلك يا سيسي ..." وذلك غداة انقلاب الثالث من يوليو والذي وأد التجربة الديمقراطية المصرية الفتية واصاب الربيع العربي بنكبة جديدة في بلاد أدمنت النكبات.
 مع كل إشراقة شمس كنا نستيقظ على قتلى وجرحى بالعشرات في صفوف المتظاهرين والمعتصمين السلميين إلى أقصى درجة حتى أنهم حملان وديعة مقارنة بمعتصمي "الميدان" في أوكرانيا، لا دروع واقية من الرصاص ولا تدريبات عسكرية ولا أسلحة خفيفة، باختصار مجردين من كل سلاح إلا من الشجاعة والإقدام –وهو قتال- الذي جعلهم يحمون ميادين اعتصامهم بصدورهم العارية التي يتلقون بها لوابل الرصاص الحي المنهمر كالثلوج المتساقطة في ساحة "الميدان " بكييف
صبيحة 14 أغشت قرر الفريق السيسي أن يفض اعتصام ميدان رابعة العدوية بالقوة حيث تعتصم هناك القيادات الرافضة للانقلاب ومعها عشرات الآلاف من المواطنين السلميين، هجمت العساكر في الساعات الأولى من الصباح مخلفة زهاء الألف قتيل وآلاف الجرحى.
مارست الحكومات الغربية المنافقة الصمت تجاه هذه المجازر وكأن الدماء التي أريقت ليست دماء بشرية، أما حكومات البلدان الشقيقة فقد باركت الأمر بل بلغ ببعض الحكام جرأتهم على الله أن جعلوا من تلك الأرواح التي أزهقت بضاعة مزجاة.
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة . . على المرء من وقع الحسام المهند
قبل أيام أدى الفريق الملطخة أياديه بالدماء عبد الفتاح السيسي زيارة إلى روسيا التي تبدو وكأنها أرادت أن تستلهم الحل السحري الذي توصل إليه السيسي في مصر من أجل إنهاء الاعتصامات في ميادين مصر، كان الحل بسيطا جدا وفعالا لدرجة أن الرئيس المصري قرر مؤخرا ترفيع رتبة الفريق السيسي إلى مشير نتيجة لاكتشافه العظيم، بكل بساطة يجب القضاء على المعتصمين بدل القضاء على الاعتصامات.
ولعله من باب الصدفة أن الرئيس الأوكراني زار روسيا مباشرة بعد السيسي وعاد لبلاده بأفكار جديدة هذه المرة، أعلن المحتجين والمعتصمين جماعات إرهابية وكلف القوات الخاصة بفض كل الاعتصامات والسيطرة على كل الميادين والقضاء على الإرهابيين، لكن ما غاب عن الرئيس الأوكراني وحليفه الروسي أن الغرب المنافق يعتبر ما يجري في عروق الأوكرانيين دماء زكية يجب الحفاظ عليها ولا يقبل إراقتها وكأن ما يجري في عروق العرب والمسلمين مجرد مياه، كما أن المعتصمين في ميادين كييف يملكون من السلاح والقوة ما يدافعون به عن أنفسهم ويأمنون به مكر وغدر القوات الخاصة على العكس من الأشقاء المصريين المسالمين.
بعد معارك دموية استخدم فيها الطرفان الذخيرة الحية سقطت حوالي 80 ضحية وردت القوات الخاصة على أعقابها تجر ذيل الهزيمة، أما في مدن غرب البلاد فقد سيطر المحتجون على مقرات الشرطة والمحافظات حتى أنهم اقتادوا حاكم إحدى الولايات إلى ميدان اعتصامهم وربطوه في عمود كهرباء.
لم يضيع الأوربيون وقتهم في عزف سمفونية الإدانة والشجب والاستنكار فالمقام مقام أفعال لا أقوال، أعلنوا فورا عن حزمة عقوبات على المسئولين الذين تلطخت أيديهم بدماء المتظاهرين الزكية وكذلك فعلت أمريكا، بعثة وزارية أرسلت على عجل إلى كييف توصلت إلى إقناع الرئيس يونوكوفيتش بجنوحه للسلم وتلبية مطالب المعارضة التي كان من أبرزها عودة البلاد إلى دستور 2004 الذي يقر النظام البرلماني بدل الرئاسي المتبع حاليا إضافة إلى الدعوة إلى انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة والعفو عن رئيسة الوزراء السابقة، البرلمان بدوره أقر قانونا يجرم استخدام الشرطة للعنف ضد المتظاهرين وفور توقيعه أمر رئيس البرلمان الشرطة بالعودة لقواعدها فورا.
حقنت الدماء الزكية في ميدان كييف خلال يومين وأرغم أوباما بوتين أن يقبل ولو على مضض بالتخلي عن حليفه التاريخي الأقرب إليه، وما زالت ميادين مصر وبيوت سوريا وقرى مسلمي وسط افريقيا واقليم أركان في بورما تنتظر نخوة معتصم من الأشقاء او صحوة ضمير من الأصدقاء الحقيقيين وهم قلائل عند النوائب، وسيبقى التاريخ شاهدا على ازدواجية معايير وقيم الإنسانية التي يتشدق بها الغرب المنافق.


الخميس، 21 نوفمبر 2013

تصويت تحت الطلب

يحكى أنه في احدى الدول العربية ذات الممارسة الديمقراطية العتيدة، تقدم مواطن إلى شعبة الأمن في حيه يريد الإعتذار عن خطأ جسيم تقشعر منه الأبدان وقع فيه دون قصد منه ألا وهو تصويته لمرشح آخر غير الرئيس خلال الانتخابات التي جرت يوم أمس، شكره قائد المركز على وطنيته واعترافه بالخطأ وقال له: لقد قمنا بتصحيح الخطأ لأننا ندرك تضحياتك ونضالك في خدمة الرئيس والحزب ولذلك منحنا صوتك للرئيس!
يذكرني هذا بأحد مكاتب التصويت بتوجنين في انتخابات 2009 حين قدمت وحدة من المنطقة العسكرية السادسة للتصويت يقودها رائد، دخل جندي إلى المكتب للإدلاء بصوته لكنه سرعان ما خرج وطرح السؤال التالي على قائده: مون كومنداه هذا قلتو عني شنعدلو ؟
طبعا ارتبك الرائد أمام الناس وأجابه متلعثما: أوخظ أوخظ اقصر عمرك وافرشين امعاك ما نعرفلك ش !
تلافيا لهذا النوع من الأخطاء والذي يؤثر على السير الحسن "للعبة" الديمقراطية اهتدى النظام الموريتاني إلى حل سحري يتمثل في تصويت العساكر يوما قبل المدنيين وترك أصواتهم أمانة في عهدة اللجنة المستغلة للانتخابات حتى تصحح هذه الأخيرة كل الأخطاء التي قد يقعون فيها دون قصد منهم طبعا!
في الإنتخابات تكون الأخطاء غالبا قاتلة خاصة اذا ما كانت شفافة والعياذ بالله، فشفافية الانتخابات وحريتها ونزاهتها هي ديدن الفرنجة والكفار وقد أمرنا الشارع بمخالفتهم ومن غير المعقول أن نشترط في تدبير شؤون المسلمين توفر تلك الصفات القادمة من بلاد الكفر!
مخالفة الكفار في ديمقراطيتهم تقتضي المشاركة في انتخابات بعيدة عن الشفافية وعديمة الحرية وقليلة النزاهة، وحتى يبرئ المشاركون في هذه الانتخابات ذمتهم أمام الناس فإنهم لا يفتأون يعددون الخروقات والعيوب التي تصاحب هذه الانتخابات ويؤكدون أمام الملأ أنها مزورة وغير نزيهة وغير شفافة وحتى أنهم يقولون فيها ما لم يقله مالك في الخمر، إنها بكل بساطة مخالفة للانتخابات المتعارف عليها في بلاد الروم  والمشاركة فيها  لا تقدح في العلماء وسفراء الرسول وخلفاء الله !

الأربعاء، 20 نوفمبر 2013

جنرالاتنا الأشاوس

صبيحة الثلاثاء التاسع عشر من نوفمبر توقفت وحدة من الجيش المالي أمام مبنى الشرطة الموريتانية في مدينة فصالة دون سابق إنذار مخلفة موجة من الذعر والهلع بين سكان المنطقة، سرعان ما بادرت الوحدة المالية إلى التعريف بنفسها على أساس أنها ضلت طريقها إلى مدينة تمبكتو، تتشكل القوة المالية من سبع سيارات عسكرية محملة بالجنود وشاحنة دعم لوجستي اضافة إلى اسلحة ثقيلة نوعية ومتطورة نسبيا، تحركت هذه القوة الكبيرة بكل حرية على مناطق التماس الحدودية ثم توغلت في أراضي بلادنا قبل أن تدخل إحدى أهم المدن من الناحية العسكرية والاستراتيجية حيث يتواجد فيها مركز قيادة متقدم للجيش الموريتاني مكلف بتأمين الحدود ومكافحة الإرهاب، رغم كل ذلك لم تكتشف قواتنا الباسلة وعناصر استخباراتنا الأشاوس أي تحرك غير طبيعي على جبهة تعد الأكثر سخونة وتوترا من بين كل حدود الوطن، في الوقت الذي يتشدق النظام الحالي بإرساء الأمن في البلاد وبتطوير قدرات قواتنا الباسلة حتى بتنا نخالها تعادل الأسطول الأميركي السابع !

الحمد لله أن الصدفة قادت الفرقة المالية التائهة إلى مدينة فصالة، والحمد لله أنه لم تكن لها مآرب أخرى –ظاهرة على الأقل- والحمد لله حق حمده على أن هذه الوحدة ليست كوماندوزا من القاعدة، ماذا كنا سنفعل لو أن المجموعة المسلحة لم تدخل فصالة وواصلت طريقها في الصحراء نحو آدرار ثم إنشيري لتحط رحالها في انواكشوط عند الهجيع الأخير من الليل ؟ أليس بمقدور قوة عسكرية كهذه تدمير القصر الرئاسي وقيادات الأركان بل وانواكشوط كله في غضون دقائق اذا ما أخذتنا على حين غرة سحيرا أو حتى ضحى؟

منيت في السابق المؤسسة الأمنية والعسكرية الموريتانية بالعديد من الضربات الموجعة، فكان العدو غالبا ما يباغتها ويفعل فعلته ويغادر ببساطة، ولعل الذاكرة مازالت تحتفظ بالتفاصيل المؤلمة للمغيطي وتورين والغلاوية وحاسي سيدي وتفرغ زينة وتوجنين ...، وغيرها من المعارك التي تكبدت فيها قواتنا هزائم مدوية وخسائر مؤسفة في الأرواح والعتاد، ولكن أين هم جنرالاتنا البواسل ولماذا لا نراهم في ساحة الوغى وهم يتربصون بأعداء البلاد؟

تنفق موريتانيا أموالا طائلة سنويا على الأمن والدفاع منذ 2003 حتى أنها باتت تفوق مخصصات التعليم والصحة وتشغيل الشباب ومكافحة الفقر مجتمعة، أصبحت القوات المسلحة الموريتانية متخمة بالجنرالات من ذوي البطون الكبيرة، وفي كل سنة تتم الترقية لجنرالات جدد وتمديد سن التقاعد لآخرين قدامى لأن البلاد لا يمكنها التفريط في خبراتهم وقدراتهم القتالية، في العام الحالي وحده رصدت الدولة أزيد من 60 مليار أوقية من ميزانيتها للأمن والدفاع دون المبالغ الطائلة التي يتم سحبها من صندوق النفقات الخاصة للحجة ذاتها !

ولكي لا نظلم جنرالاتنا الأشاوس ولا نحط من قدراتهم البطولية نجد أنه من الملح علينا وإنصافا لهم ان نذكر اختلاف وجهات نظرنا في تحديد العدو وفي أولويات المعارك وجبهات القتال، فربما يحسب مواطن ما أن أمواله يجب أن تنفق من أجل ردع الجريمة  ومحاربتها حتى يأمن في منزله ووطنه من السرقة والاغتصاب والقتل...، وقد يدور في مخيلة مواطن بسيط أن أولوية الدفاع الوطني تكمن في الحفاظ على الحوزة الترابية والضرب بيد من حديد على الإرهابيين ومهربي المخدرات وأي قوات معادية يمكن أن تسول لها نفسها النيل من حدودنا، كما أن الضابط الصالح  يجد أولوية مهام جيشنا في تسيير دوريات خطوط التماس التي تصيبه بنشوة منقطعة النظير حين يرى قوات البلد المتاخم تلقي عليه التحية في منطقة نائية من الحدود الطويلة لبلادنا.

بيد أنه لجنرالاتنا الأشاوس معركتهم وأولوياتهم، فالجنرال يحظى بحصة من التعيينات في المؤسسات العمومية وفي الحكومة، كما أنه يستفيد من صفقات الشركات الكبرى وخاصة شركات المعادن والطرق، صفقات التراضي وتحصيل المال والحصول على القطع الأرضية وغيرها من موارد الرزق تشكل أهم أولويات الجنرالات الأشاوس، ومؤخرا استفاد الجنرالات من خدمة جديدة فريدة من نوعها تتمثل في تشييد طريق ترابي يمر من الشارع إلى بيوتهم حتى يقيهم السباحة في فيضانات انواكشوط ومياهه الآسنة.

منذ أشهر عديدة قسمت البلاد إلى مناطق نفوذ وكلف جنرالاتنا الأشاوس كلٌ بمنطقة معينة، وكانت أولوياتهم واضحة وغير قابلة للتعديل فلا مجال للهزيمة، يجب دحر العدو، يجب إلحاق الهزيمة النكراء به، لا بد من بسط السيطرة على مناطقه والتوغل فيها، يجب بكل بساطة انتصار أحزاب النظام في تلك المناطق !

الفريق قائد أركان الجيوش –اللهم عليك معولين- انتقل بمعسكره إلى لعصابة ليدير المعركة عن قرب ويشرف على جبهات القتال، أرسل حفنة من الجنرالات الى الحوض الغربي لإدارة صراع مستعصي في الطينطان ولعيون، جنرالين إلى بوكي وكيهيدي وسيلبابي، جنرال وحيد كلف ببوتلميت، واحد يدير الصراع في باسكنو، والبقية الباقية من الجنرالات وضعت على أهبة الإستعداد للتدخل عند اقتضاء الحاجة، أما وزير الدفاع فشغله الشاغل الدفاع عن مرشحي الحزب في مقاطعة كرو. 

في الوقت الذي كانت القوات المعادية تصول وتجول في بلادنا وتدخل المدن دون حسيب او رقيب، كان الأشاوس من قوات الأمن يرقصون على أنغام نصرهم المبين الذي حققوه بحرفية عالية وفي وقت قياسي ضد أعداء طالما خبروا قتالهم، نعم كان عناصر الأمن مزهوين بانتصارهم الساحق في ملحمة تفرغ زينة وسيطرتهم على العشرات من الشباب والنساء العزل الذين خرجوا مطالبين بمقاطعة الانتخابات، رغم صمود هذه الثلة من المناضلين إلا أن قوات الأمن نتيجة لحرفيتها وقوة تدريبها استطاعت والحمد لله ضرب العديد من النساء والشباب واصابتهم بجروح متفاوتة الخطورة، غير بعيد من تفرغ زينة استطاعت أيضا وحدات النخبة من قوات أمننا الباسلة أن تحكم سيطرتها على معسكر لأهالي كبة لمغيطي منح لنافذين ورفضوا الانصياع لأمر الواقع ومغادرة منطقة أقاموا فيها منذ سنوات فما كان من قواتنا الباسلة إلا أن انهالت عليهم بالضرب والتنكيل وتدمير الأعرشة التي تقيهم برد الشتاء على بساطتها، في الجانب الآخر من البلاد كانت قواتنا الباسلة تسطر البطولات التي سيسجلها التاريخ ويذكرها الأحفاد ويتباهى بها الشعراء، لقد دحرت هذه القوات نسوة وأطفال خرجوا في مدينة لعيون يطالبون بالماء !

إنها أم الموبقات أتجرؤون على المطالبة بالماء ؟ كيف تسول لكم أنفسكم الدعوة لمقاطعة الانتخابات ؟ إياكم ثم إياكم أن ترفضوا الانصياع لأمر الواقع وكلما منحت أرضكم لإرضاء الغاضبين من صاحب الحانوت عليكم باختيار غيرها ! سترون الويل والثبور وصغائر الأمور اذا شق أحدكم عصى الطاعة عن خيارات الحزب !

عاشت قواتنا الباسلة ! عاش جنرالاتنا الأشاوس !



الجمعة، 18 أكتوبر 2013

العسكر في المعسكر

يبدو أن حكام ما بعد الربيع العربي لم يتعلموا حتى الآن كيفية التعامل مع العسكريين ولعل هذا أحد أهم أسباب الانتكاسات التي تحدث في هذه البلدان اليوم والتي تعود في مجملها للإنفلات الأمني.
العسكري يبقى عسكريا ويمنع عليه ابداء رأيه في السياسة او فيما لا يسأل عنه، وهذا المبدأ يطبق بصرامة تامة ومن خرقه تكون عقوبته السجن والتسريح، هكذا يحكم العسكريون وهكذا يُحكمون.
في #مصر عرض وزير الدفاع -السوبرمان- وساطته لحل خلاف سياسي دون أن يثير ذلك حفظ مؤسسة الرئاسة، بعد ذلك بأشهر منح هذا السوبرمان رئيس الجمهورية مهلة 48 ساعة للاستجابة لمطالب المتمردين بتنحيه عن الحكم طوعا او كرها، قبل أن ينفذها بنفسه بعيد انتهاء المهلة بساعتين فقط !!!
وفي #تونس تظاهر العديد من عناصر الشرطة والحرس الوطني أمام وزارة الداخلية ولم تحرك الحكومة ساكنا، بعد ذلك بأشهر اعتصموا أمام رئاسة الحكومة للمطالبة بنقابة، واليوم يطردون بشكل مهين رموز الدولة الثلاثة (الرئيس ورئيس الحكومة ورئيس المجلس التأسيسي) خلال مشاركتهم في تأبين عنصرين من قوات الأمن سقطا خلال مواجهات مع ارهابيين، تتعالى الصيحات من رجال الأمن على رموز الدولة أن ارحلوا ولا يحرك أحد ساكنا فهذا يعني أن الخطوة القادمة ستكون اعتقال قادة البلاد والإطاحة بالنظام بحجة مكافحة الإرهاب.
قبل ذلك كله بسنوات سمح الرئيس الموريتاني للعسكريين بترشيحه وقيادة حملته الإنتخابية وبعقد التحالفات السياسية بإسمه وبالمشاركة في التعيينات، وكانت النتيجة معروفة للجميع.
حين نتعامل مع العسكريين يجب أن لا نغض الطرف عن أي خرق منهم للقانون العسكري وأن نحاسبهم بصرامة، وعلى الساسة دائما تذكر المثل الحساني  الشهير "اعط للعزبة اشبر تطامى اذراع".

الجمعة، 4 أكتوبر 2013

رحيل آخر الجنرالات

توفي اليوم عن عمر يزيد على القرن بسنتين القائد العظيم والرفيق البطل الجنرال فو نجوين جياب القائد المؤسس للجيش الشعبي الفيتنامي الذي قاد حرب تحرير وتوحيد بلاده.
يعتبر الجنرال جياب هو الرجل الوحيد في التاريخ الذي استطاع تحقيق النصر على  فرنسا وأمريكا، كما أن انجازاته العسكرية وانتصاراته تدرس اليوم في علم التخطيط العسكري في العديد من الأكاديميات العسكرية في شتى بلدان العالم، ولعل أغرب ما في حياة هذا القائد أنه لم يجلس يوما إلى مقاعد الدراسة في المدارس العسكرية ويصف نفسه دائما بأنه رجل عصامي تعلم فنون القتال من ساحات الوغى وفوهات البنادق وليس من المدارس والأكاديميات.
أول ما يتبادر إلى ذهن المتلقي حين يسمع اسم الجنرال جياب هو حتما معركة "ديان بيان فو" في فييتنام حين أرغم قائد الجيش الفرنسي على الخروج من معسكره رافعا الراية البيضاء معلنا استسلام قواته بعد معارك ضارية استمرت قرابة 60 يوما، وكان لتلك الهزيمة وقعا كبيرا على الفرنسيين الذين أسرعوا في حزم حقائبهم ولملمة جراحهم ومغادرة البلاد وهم يجرون أذيال الهزيمة في مايو 1954.
عام 1960 بدأ الجنرال قيادة معارك تحرير الجزء الجنوبي من فييتنام ووقف طيلة 15 سنة عقبة كأداء في طريق الجيش الأمريكي وحلفائه، وفي 30 من ابريل 1975 دخل الجنرال جياب العاصمة سايغون دخول الفاتحين بعد أن طرد آخر جندي أمريكي من البلاد وهزم أعتى امبراطورية في العصر الحديث بأسلحة تكاد تكون بدائية اذا ما قورنت مع الترسانة الأمريكية، ربما تكون آخر مرة هزمت فيها أمريكا.

أشد ما استوقفني في سيرة حياة الرفيق الجنرال جياب الذي ألف عنه أعدئه الكثير من الكتب وكذلك أصدقائه، أنه لم يتجه يوما الى فييتنام الأعماق من أجل إعداد لوائح الحزب الحاكم او عقد التحالفات القبلية، كما أنه لم يعرف عنه اهتمامه بالعقار وامتلاك الشقق المفروشة والسيارات الفارهة، لا يمتلك القصور ولا الحسابات البنكية الضخمة في اسويسرا، لم يتاجر في المواد الغذائية والعملات الصعبة ولم يؤجر جنوده لحماية الامبريالين الذين يستغلون مناجم بلاده، كما أنه لم يمتلك اسطولا من الشاحنات والجرارات يؤجره للشركات الأمبريالية، حتى شركات توزيع المحروقات لم يمتلك أيا منها خلال مسيرته العسكرية الحافلة بالإنجازات. 

الأربعاء، 25 سبتمبر 2013

الألماس يهدد نظام كوناكري

أفاد تقرير استخباراتي صادر عن السي آي أي الأمريكية بمشاركة الاستخبارات الفرنسية يوم 13 من سبتمبر الجاري وتناقلته اليوم وسائل الإعلام بشكل واسع، أن مرتزقة فرنسيين وأفارقة واسرائيليين يستعدون لقلب النظام الحاكم في كوناكري، ويذكر التقرير أن المليادير الإسرائيلي بني ستاين ميز قدم تمويلات كبيرة للمعارضة الغينية وللشرطة وبعض من أفراد الجيش الفاسدين حتى يقتلوا العديد من المتظاهرين تمهيدا لإضطرابات قوية ستشهدها البلاد تزامنا مع الانتخابات التشريعية نهاية الشهر الحالي وهو ما سيمثل وضعا مثاليا للتغطية على عمليات فريق المرتزقة التي يسعى من ورائها الى الإطاحة بالنظام الحاكم.
عام 2008 اكتشف في غينيا كوناكري أكبر منجم للألماس في العالم، وهو ما فتح شهية الرئيس الأسبق العجوز كونتي والعديد من المقربين منه وأعضاء بارزين في الحكومة، قرر الجميع تقاسم الكعكة الجديدة مع رجل الأعمال الإسرائيلي ستاين ميز ببيعه حصة من المنجم بسعر بلغ 160 مليون دولار، بعد اسبوع واحد باع هذا الأخير نصف حصته لشركة برازيلية بمليارين ونصف المليار من الدولار.
توفي كونتي وبعد مرحلة انتقالية تم انتخاب العجوز اليساري الرفيق ألفا كوندي الذي بدأ حملة الأيادي النظيفة لمكافحة الفساد في بلاده، منذ أشهر بدأت فضيحة منجم الألماس تزكم الأنوف وخاصة بعد أن أشارت التحقيقات إلى عصابة دولية كبيرة مكونة من فرنسيين وأمريكيين واسرائيليين ينهبون خيرات الدول الفقيرة لم يسلم منها على ما يبدو المنجم الغيني.
ومن أجل بلوغ مرامها قامت مجموعة المليادير الاسرائيلي بانشاء وتمويل حزب سياسي في كوناكري يدعى "الحزب الوطني من أجل التجديد" وبرنامح الحزب الوحيد وشرطه لدخول الحكومة الإئتلافية كان "منح حق الاستغلال الحصري لمنجم الألماس لصالح شركة رجل الأعمال الإسرائيلي".
يشار إلى أن التحقيقات السرية الجارية في اسويسرا وفرنسا وأمريكا تفيد بأن مجموعة رجال الأعمال هذه تقوم بالعديد من عمليات الاستغلال المشبوهة لأغلب مناجم الذهب والألماس في القارة الإفريقية، يذكرني هذا ببلد آخر قرر رئيسه مراجعة اتفاقيات تقاسم الذهب مع المستثمرين الأجانب حتى تنال بلاده ثلاثة في المائة وتبقى 97 % لصالح المستثمرين مع بند يمنع مراجعة الإتفاقية مرة أخرى !!! 

الجمعة، 20 سبتمبر 2013

لماذا يتدنى مستوى التعليم في بلادنا ؟

قبل فترة كنت سألت أحد شيوخ التعليم من الرعيل الأول عن سبب ضعف مستوى التعليم هذه الأيام، فأجابني أن موريتانيا حتى الآن لم تستطع اقرار نظام تعليمي يتماشى مع خصوصية المجتمع وحاجة الدولة وكل ما يقام به في هذا المجال عبارة عن تقليد أعمى لتجارب في دول أخرى لا يمكن اسقاطها على بلادنا.
تنهت محدثي قبل أن يستمر في الحديث: أيييييييه يا بني أصبحت اليوم تجد الإمام يلحن في الخطبة ويقف صامتا يبحث عن من يسعفه بفتح إن هو قرأ بغير حزب سبح، نادرا ما تجد اليوم فنانا شابا إجيب بيت حرب اعل حالتو، وأغلب السائقين يعجز عن الإتيان ب (فيتيس) اعل حالتو حتى أن بعضهم يلتبس عليه ابرميير وتراوزييم عند أول زيرة بيظة فتبتلع التراب سيارته...
إيييه يا زمن، يا اوليدي كان الولد عندما يحفظ حزبا ماه طايب اعليه يعلق في شجرة وتشعل النار تحته، كان آبرانتي امنين الوبي فيتيس ( louper )  يضرب ب ديمونت ابنه Démonte pneu، كان الفنان يضرب ولا يجامل في التعليم ويقسى عليه.
التعليم في الصغر كالنقش في الحجر وصدق من قال أن حسن الأداء من حسن التعلم، يا وليدي هذو تلفونات ولبطيطات ال عادو عند التلاميد ما اوراهم ماه الجهل.
استودعت محدثي ولمست في كلامه صدقا رغم قساوته ورغم يقيني أن الضرب والتعذيب ليسا من أحسن السبل التربوية لكننا لم نضع بديلا لهما في منظومتنا التربوية الحديثة.

الخميس، 19 سبتمبر 2013

رسالة عاجلة الى معالي وزير الاتصال السيد محمد يحي حرمه (احوياتو)

معالي الوزير الموقر اطلعنا على تصريحكم اليوم الذي قلتم فيه أن "عدد المسجلين على اللائحة الانتخابية بلغ 840 ألف ناخب متجاوزا المسجلين في الانتخابات السابقة الذي بلغ 800 ألف".

معالي الوزير لقد جانبتم الصواب في تصريحكم وارتكبتم مجزرة انتخابية في حق ربع الشعب الموريتاني ولعله من نافلة القول أن الناخبين لا يطيرون بأجنحتهم.

نذكر معاليكم بالأرقام التالية:
- عدد المسجلين على اللائحة الإنتخابية 2007 بلغ مليون و90 ألف ناخب.
-عدد المسجلين على اللائحة الإنتخابية 2009 بلغ زهاء مليون و240 ألف ناخب.

* رابط تصريح معاليكم :
** رابط لعدد المسجلين 2009: 

الأربعاء، 11 سبتمبر 2013

11 / 09 / 2001

في الحادي عشر من سبتمير سنة 2001، قابلت أخي وصديقي العزيز النح ولد محم قبيل صلاة الظهر وبدا متأبطا جهاز راديو -على غير عادته- يصدح من صوت محمود المسلمي وبقية مذيعي  البي بي سي، كان صديقي شارد الذهن على وجهه رهبة وخوف لا تخفيهما الفرحة التي تنتابه، بادرني بالقول: إنه حدث عظيم ولا أدري هل هو نهاية العالم أم لا لكن من المؤكد أن الطائرات تتساقط على رؤوس الأميركيين وتقتلهم دون أن يستطيعوا تحريك ساكن.
أصبت بفرح وسرور لأن الأميركيين يشربون كأسا طالما سقوناها ولأن أعظم امبراطورية في التاريخ تقف عاجزة عن مواجهة هجمات في عقر دارها بل في مراكز سيادتها، كانت موجة فرح غامر انتابت العالم الإسلامي وحتى العديد من الشعوب الأوروبية وهو ما جعل الرئيس بوش حينها يطرح سؤاله الشهير والذي لا يخلو من غباء معهود من فخامته: لماذا يكرهوننا ؟
أيقظت فورا جدي رحمه الله لأعلمه بالحدث العظيم وقلت له أن أمريكا أتاها أمر الله، بعد صلاة الظهر توجه جل رجال القرية إلى المنزل الوحيد الذي كان يمتلك جهاز تلفزيون حينها وبدأنا نمتع أنظارنا بصور الدمار في أمريكا وهي التي طالما أذاقتنا الأمرين في العراق وغيرها ...
بعد تلك النشوة العابرة اتضح للجميع أن الحادي عشر من سبتمبر هو أعظم كارثة على الإسلام والمسلمين، خسرنا بلدين دمرا والثالث في الطريق، خسرنا احترام الآخرين لديننا لأن ثلة من المتشددين تسوق الدين بطريقة فجة ولا يرون الإسلام في غير القتل، أصبح المسلم مثار شبهة في حله وترحاله بل أحيانا مجرما حتى تثبت برائته، أصبحت المسلمات المحجبات مطاردات في لندن وهي التي كانت يوما ما لندنستان لشدة إيوائها للمسلمين المضطهدين في بلدانهم. 
الفكر الذي قتل الأميركيين في الحادي عشر سبتمبر هو الذي قتل آلاف المسلمين في الجزائر وسوريا والأردن والمغرب وتونس ومصر وباكستان والعراق....
هي الجماعة ذاتها التي قتلت أبنائنا المسالمين في لمغيطي وتورين وصانتر أمتير والغلاوية والنعمة ... الخ
اليوم نقول لهم أنتم على غير هدى فاتركونا نعيش بسلام.

الأحد، 4 أغسطس 2013

الخلاصة الجلية في اخبار الانقلابات العسكرية

بيـــــــــان رقم واحد، اكتسبت هذه العبارة شهرة واسعة في بلدان العالم الثالث وخاصة افريقيا، هي عبارة تمثل فاصلة زمنية بين عهدين ونظامين أحدهما أصبح للتو بائدا ومسئولا عن كل الشرور والآخر يحمل من الوعود ما يجعله منقذا ومخلصا للبلاد والعباد من الممارسات للاستبدادية للنظام البائد، هي لعبة لا يتقنها إلا الكبار.
يعرف أغلب الباحثين الانقلاب العسكري بمفهومه الواسع على أنه الاستيلاء على السلطة  باستخدام القوة العسكرية بطريقة مفاجئة ومع استخدام الحد الأدنى من القوة، غالبا ما يقود الانقلاب أفراد مؤثرين في القرار العسكري والسياسي، وحسب مالابارتي فإن  مفهوم الانقلاب لا ينطبق فقط على العسكريين والسياسيين بل يشمل حتى القوى المدنية، التي تشارك أيضا من خلال زعزعة استقرار الحكومة عبر إجراءات تهدف إلى خلق حالة من الفوضى الاجتماعية تمكن وتبرر وصول الانقلابيين إلى السلطة.
هذا التعريف يخرج الانقلابي من طائلة حكم الحرابة كونه خرج لطلب الإمرة، فقد ورد في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير في تعريف الحرابة: "المحارب قاطع الطريق لمنع سلوك" يخرج (من ذلك) قطعها لطلب إمرة أو لثائرة أي عداوة بينه وبين جماعة كما يقطع في بعض عسكر مصر مع بعضهم فليس بمحارب، بل يرى جمهور الفقهاء وجوب طاعة الانقلابي (وجوب انعقاد الإمامة ضرورة للمتغلب الجالس بالقوَّة في موضع الحكم) ما لم يكفر كفرا بواحا لما في ذلك من درء للمفاسد والمقدم شرعا على جلب المصالح.
اذا كان عساكر مصر قديما جبلوا على حب الانقلابات حتى باتت سمة غالبة عندهم، فإن أبنائهم  في العصر الحديث لم يكونوا بدعا بل ساروا على خطى آبائهم الأولين، فقد شاءت الأقدار أن تكون مصر هي بوابة الانقلابات في القارة الافريقية حين أطاح اللواء محمد نجيب ورفاقه الضباط الأحرار بالملك فاروق الأول عام 1952، ومنذ ذلك التاريخ المشؤوم جرى في افريقيا وحدها أزيد من 80 انقلابا عسكريا آخرها كان من صنع عساكر مصر إضافة إلى ما يناهز 300 محاولة انقلابية تم اجهاضها.
لكن ما سر نجاح هذا الكم الهائل من الانقلابات في ظرفية وجيزة وهل توجد انقلابات حميدة وأخرى كارثية ؟
لعله من نافلة القول اعتبار الانقلابيين من أكثر الناس انتهازا وتصيدا للفرص فشرط نجاح الانقلاب هو انتظار اللحظة المناسبة للانقضاض على السلطة ومن أجل ذلك لابد من توفير الظروف الملائمة وخلق أزمات مستعصية تنعدم معها الحلول وتضيق الآفاق عند النظام السياسي القائم وهو ما من شأنه تسهيل تمرير أي عمل انقلابي وتسويقه على أنه إنقاذ او خلاص او حتى تصحيح للمسار، ومن أجل فهم الانقلاب لابد من التوقف عند الظروف التي حدث فيها دون إغفال المآل الذي يسلكه الحكام الجدد، ومن هذا المنطلق سنذكر في هذه العجالة ثلاث حالات قد تكون جامعة لأغلب الانقلابات التي حدثت في افريقيا حديثا.
في النيجر ذلك البلد الإفريقي الذي يعد من بين أفقر عشر دول في العالم قرر حكامه العسكريون بعد أن أضناهم عدم الاستقرار السياسي أن يضعوا بندا في الدستور يمنع أي تعديل يتعلق بطبيعة النظام الجمهوري للبلاد او بانتخاب رئيس الجمهورية، استلم السلطة بعد ذلك أمادو طنجة الذي فاز في الانتخابات الرئاسية الشفافة والنزيهة، أمضى طنجة إنابتين رئاسيتين هما ما يسمح له به الدستور لكنه أراد أن لا يكون بدعا بين نظرائه الأفارقة فأوعز إلى نيجر الأعماق أن تتظاهر لمطالبة القائد الهمام بمواصلة مسيرة البناء والتنمية التي انطلقت منذ عشر سنوات –دون أن تتقدم كثيرا- في أرجاء البلاد، من أجل ذلك قرر فخامته اجراء تعديل دستوري يتم بموجبه "السماح له بتمديد ولايته ثلاث سنوات لاستكمال برنامجه وانهاء المشاريع الكبرى التي انطلقت في البلاد"، أفتى المجلس الدستوري برفض التعديلات وكذلك البرلمان وأعلنت اللجنة المستقلة للانتخابات عدم قبولها للإشراف على استفتاء غير دستوري، حينها قرر الرئيس إعلان الطوارئ في البلاد وحل كل الهيئات السابقة الذكر بعد استشارة بعض الفقهاء الدستوريين، وأمام المظاهرات الرافضة للقرار أعلنت المنظمة الاقتصادية لدول غرب افريقيا النظام الحاكم في النيجر خارج اطار الشرعية وأمهلته أسابيعا للعودة إلى رشده مهددة بمقاطعة البلاد وفرض حصار عليها.
عند منتصف نهار 18 فبراير 2009 أي ساعات بعد انتهاء المهلة المذكورة، هاتف الرائد سالو جيبو قائد وحدة الدعم في العاصمة انياميي احدى وحدت النخبة وأكثرها ولاء للرئيس حيث وضعت في أعلى جاهزية من أجل التدخل والتصدي لأي تمرد او انقلاب محتمل، هاتف زميله العقيد جبريلا حم حاميدو قائد المنطقة العسكرية في العاصمة وطلب منه الحضور إلى مكتبه لناقش أمر هام، فور وصوله أعلن له أنه قرر انقاذ البلاد من شبح أزمة كارثية بدأت تلوح في الأفق نتيجة للتصرفات الأنانية للرئيس وطلب دعمه في قراره، لم تمض إلا ثلاثين دقيقة كانت كفيلة لاعتقال الرئيس وأعضاء الحكومة المجتمعين في القصر الرئاسي، تشكل المجلس العسكري لإعادة الديمقراطية وقاد مرحلة انتقالية توجت بانتخابات شفافة وحرة ونزيهة نجح على إثرها المعارض الشرس الرئيس محمدو اوسوفو، لم يذرف أحد دمعة حزن على مصير طنجة الذي ألقي به في غياهب السجن لينضم إلى لائحة طويلة من أقرانه الأفارقة من بينهم صديقه المقرب معاوية ولد الطايع قادهم سوء تدبيرهم للأمور إلى حتفهم ومن مأمنهم تم إتيانهم، شكل ذلك الانقلاب طوق نجاة حقيقي للبلاد وهو من الحالات النادرة التي يحدث فيها الانقلاب تغييرا حقيقيا في البلاد، إنه انقلاب حميد.
حكم لانسانا كونتي غينيا كوناكري ربع قرن من الزمن أذاق الشعب خلاله الأمرين وأنهكت المؤامرات والدسائس اقتصاد البلاد وأمنها الهشين حتى باتت قاب قوسين او أدنى من التفكك والتلاشي لولا القبضة الحديدية التي يمسك بها العقيد العجوز الأمور وقمعه المتواصل لكل الانتفاضات والحركات الاحتجاجية، تجرع الغينيون المساكين من الكأس ذاتها حين حكمهم سيكو توري ربع قرن هو الآخر حتى وافته المنية عام 1984 ليقفز كونتي الى السلطة على ظهر دبابته عبر انقلاب عسكري مستغلا الفراغ الدستوري الذي تركه رحيل الأب المؤسس إلى الرفيق الأعلى.
عشية 23 من ديسمبر 2008 أعلن رئيس الجمعية الوطنية عبر أمواج التلفزيون والإذاعة المحليتين أن " رئيس الجمهورية وبعد صراع طويل مع المرض انتقلت روحه إلى بارئها"، بعد ذلك بساعات أعلن النقيب موسى دادس كامرا أن "المجلس العسكري للديمقراطية والتنمية قد استلم السلطة في البلاد وأنه تم حل الحكومة والدستور"، جرى كثير من التجاوزات خلال المرحلة الانتقالية لكن الغينيين استطاعوا بحكمتهم تسييرها بنجاح باهر أدى في النهاية إلى نجاح المعارض التاريخي ألفا كوندي مستفيدين في ذلك من العثرات التي شهدتها موريتانيا خلال الفترتين الانتقاليتين الأخيرتين، هذا الانقلاب كان صدفة وبالتالي لم تكن عند الانقلابيين أجندة ومطامع في السلطة وهو ما سهل على المجتمع المدني والقادة السياسيين العبور بالبلاد إلى بر الأمان بعد مغالبة العسكر في المفاوضات التي حدثت برعاية قوى دولية واقليمية نافذة، لكي يصبح هذا الشكل من الانقلابات تغييرا يفضي إلى ديمقراطية حقيقية لابد من توفر الإرادة القوية لدى القادة السياسيين من أجل تمرير مخططاتهم وكبح جماح العسكريين الانقلابيين.
عساكر مصر البواسل ظلوا على العهد ولم يبدلوا تبديلا، انقلبوا على أول رئيس منتخب لم يمهلوه في الحكم غير سنة و48 ساعة قبل أن يعتقله حرسه الرئاسي الذي كان يتعهد بحمايته، وفي الحقيقة لا خوف على الرئيس إلا من الحرس الرئاسي، السيناريو المصري الذي يجري هذه الأيام هو نسخة سيئة الإخراج من الانقلاب الموريتاني الذي أطاح هو الآخر بأول رئيس منتخب.
أطاح الرئيس المصري محمد مرسي بقيادات القوات المسلحة وأحالهم الى التقاعد وعين البعض الآخر في مهام مدنية واستشارية ضمن خطة وضعت لهيكلة مراكز القرار في المؤسسة العسكرية وضمان ولائها للنظام الديمقراطي وللرئيس المنتخب، وفي هذا الإطار عين قادة جدد سربت وسائل الإعلام حينها قربهم الفكري والإيديولوجي من حركة الإخوان المسلمين.
ما غاب عن أذهان قادة مصر المنتخبين هو أن المؤسسة العسكرية لا تتغير رؤيتها ومواقفها بتغيير قادتها بل تبعا لبعض الحسابات الداخلية والمصالح التي توجه بوصلة القرار العسكري، ولأن العسكر لا يهتمون كثيرا بالكلام والتصريحات الاعلامية أحرى بلعب الأدوار السياسية المعلنة فقد اعتمدوا في تنفذ مخططاتهم على كتيبة من المدنيين من بينهم اعلاميين ورجال أعمال ورؤساء أحزاب ومثقفين وصناع رأي وثوار....الخ، إنهم يعملون في صمت وسرية ويتصيدون فريستهم وفي اللحظة المناسبة ينقضون عليها بمخالبهم حيث لا ملجأ لها.
بدأ العسكر المصريون بخلق المشاكل ووضع العقبات في طريق النظام الحاكم، كما عملوا على عزل القوى الإسلامية عن بقية المجتمع عبر خلق صراعات أيديولوجية وتغذيتها، ومن ناحية أخرى أتقنوا  اللعب على الجبهة الاقتصادية وتأزيمها حتى بات المواطن البسيط يعاني الأمرين في الحصول على لقمة عيشه وأصبحت الطبقة المتوسطة مهددة في وجودها، لا حديث يعلو فوق فشل نظام الإخوان وسوء تسييرهم الذي أدى إلى تفاقم أزمات الغاز والسولار والبنزين والخبز والنقل والأمن و ......الخ.
من الطبيعي اذا في وضع كهذا أن تلاقي حملة تمرد تجاوبا منقطع النظير من المواطنين عبر جمع توقيع أكثر من 22 مليون مواطن مصري يدعون إلى تنحي الرئيس محمد مرسي ورسم خارطة طريق اتضح فيما بعد أن أيدي العسكر لم تغب عنها أبدا، كان مساء 30 يونيو فاصلا في التاريخ المصري حين امتلأت الميادين والساحات بالمطالبين بتنحي الرئيس وهو ما استجاب له قائد الجيش بعد 48 ساعة بقراره عزل الرئيس ووضع خارطة طريق لإدارة فترة انتقالية جديدة في البلاد.
الانقلاب المصري اذا كان من أسوء أنواع الانقلابات وأكثرها حقارة حيث يمضي القادة العسكريون دهرا في التخطيط وخلق المشاكل لنظام يتصيدون عثراته بغية الاطاحة به، هو اذا من الانقلابات التي يمكن الاستغناء عنها بل يمكن القول أنه فِضْلة على رأي النحاة، ولم يكن عساكر مصر بدعا في هذا فقد سبقهم لها جنرالات موريتانيا عام 2008 حين انقلبوا على رئيس هم من أوصله سدة الحكم عبر انتخابات شفافة وحين أراد الخروج من عباءتهم حركوا كتيبة مشاة البرلمان التي شكلت رأس الحربة في التمرد على الرئيس ومجابهته وهو ما أدى إلى الإطاحة به وسجنه لاحقا من قبل الحرس الرئاسي المكلف بحمايته.
وتبقى الانقلابات شكلا من أشكال التغيير بل أكثرها اطلاقا لكنها تظل رهينة للقرارات التي يطبقها الانقلابيون وردود الفعل الشعبية والسياسية التي تقابل بها، فالانقلابيون هو من أرغم زين العابدين ومبارك على التنحي عن الحكم، وهم من استغل الفرصة وأطاح بمعاوية وممادو طنجة، لكنهم أيضا سيذكر لهم التاريخ أنهم انقلبوا على سيدي ولد الشيخ عبد الله ومحمد مرسي.

السبت، 1 يونيو 2013

المصادر الخاصة

أعلنت الليلة البارحة المواقع الإخبارية الموريتانية نبأ تسليم الولايات المتحدة الأمريكية السجينين محمدو ولد صلاحي واحمد ولد عبد العزيز إلى نواكشوط نقلا عن مصادر خاصة غالبا، وراحت هذه المواقع تتنافس في تحقيق السبق الصحفي العظيم مسترسلة في ذكر عديد التفاصيل التي زودها بها المصدر الخاص، قبل غروب شمس اليوم جاءت الأخبار من بلاد العم سام مفندة لكل ما ذكرته المصادر الموريتانية الخاصة لوسائل الإعلام.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تتلاعب فيها "المصادر الخاصة" بوسائل الإعلام عن طريق إطلاق شائعات وبث أخبار واهية خدمة لمآربها الخاصة والأمثلة على ذلك كثيرة، ففي العام الماضي أعلنت وسائل الإعلام المحلية نبأ إطلاق سراح الدركي الأسير لدى القاعدة اعل ولد المختار رفقة رهينة إيطالية نقلا عن مصادر خاصة مع ذكر بعض التفاصيل الصغيرة التي تختلف من موقع إلكتروني لآخر قبل يثبت زيف هذه الأخبار والتي علم لاحقا أنها كانت مجرد شائعات أطلقتها بعض "المصادر الخاصة" للتغطية على عملية لتبادل الأسرى بين الحكومة الموريتانية وتنظيم القاعدة.
وتبقى الذاكرة حية بحجم الشائعات التي أطلقتها "المصادر الخاصة" طيلة فترة غياب الرئيس عزيز في رحلته الاستشفائية إلى فرنسا بعد أزمة "الرصاصة الصديقة" حول تدهور صحته وعجزه عن ممارسة السلطة مستقبلا بل وحتى عن عدة انقلابات عسكرية قيد التنفيذ، ما لم ينتبه له الكثيرون آنذاك أن هذه الشائعات تسرب في غالبها عن طريق مواقع عرفت بقربها من  رأس النظام، وبعد زوال الغشاوة التي غطت أعين الموريتانيين والسياسيين خاصة أدرك الجميع أنهم وقعوا ضحية تلاعب كبير كان الهدف منه تهدئة الساحة في غياب الرئيس من خلال إيهام الجميع أن مرحلة حكمه تم تجاوزها وأصبحت منسقية المعارضة ترسل الوفود لحزب الحاكم لتدارس الوضعية الدستورية في البلاد وتنظيم الفترة الانتقالية بعد عجز الرئيس !!!
الحقيقة أن الجهات الأمنية تنسج علاقات قوية مع وسائل الإعلام المحلية وفق المبدأ الدبلوماسي الشهير أن التعاون يجب أن يجني الطرفان ثماره، ففي بلاد تشح فيها المعلومات ومصادر الأخبار يكون الحصول عليها دونه لمس الفرقدين، يصبح العمل الصحفي الجاد والمهني مهمة شبه مستحيلة، الجهات الأمنية تحتاج هي الأخرى في إطار أداء مهامها إلى التحكم في المجتمع من خلال السيطرة على الشائعة وفاء لمبدأ إستخباراتي سوفييتي قديم، فمن المعروف تقليديا وجود أشخاص يزودون الصالونات في انواكشوط والداخل بالأخبار التي تدور في كواليس الإدارة والتي يتعطش المواطن لسماعها، حفاظا على هذا النهج في زمن العولمة تقدم الجهات الأمنية "مصدرا خاصا" لكل صحفي من الذين يشار إليهم بالبنان في الساحة الإعلامية وبذلك يضمنون نسج علاقة خاصة بوسائل الإعلام المهمة إضافة إلى تلك التي تتبع للجهات الأمنية بصفة مباشرة، يقدم "المصدر الخاص" الأخبار لأصدقائه بسخاء كبير وبذلك يحقق الصحفي سبقا عدة مرات ويضمن الحد الأدنى من المصداقية عند المواطن بإعتباره مدينة خبر ومصدرا مطلعا يوثق فيه.
بين حاجة الصحفي إلى الوصول للمعلومة وسعيه الدؤوب لتحقيق السبق، وحاجة الجهات الأمنية لميكانيزما تمرر عن طريقها الشائعات والأخبار التي تخدم مصالحها، يضيع المواطن وتغيب المصداقية وتختفي المهنية وتصبح الجهات الناقلة للخبر صانعة له.

الثلاثاء، 28 مايو 2013

على نفسها جنت براقش

صورة من أحداث الزويرات اليوم  بعدسة أختي العزيزة
يعيش الجرنالية من عمال اسنيم في مدينة الزويرات حياة مأساوية أقل ما يمكن وصفها به أنها أبهى تجليات العبودية في العصر الحديث، فمنذ سنوات وهم يطالبون بتفعيل قوانين العمل وتطبيقها عليهم ولم يتركوا بابا إلا وطرقوه، رسائل وعرائض مطلبية سلمت لكافة الفاعلين والسلطات المختصة، اعتصامات واضرابات ومسيرات احتجاجية كلها سلمية.
 حجوا القصر الرئاسي على أقدامهم حتى بلغوا أبوابه، قطع لهم ساكنه ثالث وعوده العرقوبية –على الأقل-  بإيجاد تسوية سريعة لكل مشاكلهم التي أعلن لهم تفهمه التام لها، كان قبل ذلك أكد في زيارته الأخيرة لمدينة الزويرات أن مشكل الجرنالية سوف يتم حله خلال الأسبوع القادم، وفي احدى حواراته مع الشعب أعلن أنه سيتم حل المشكل في الشهر القادم، لا الأسبوع ولا الشهر القادمين حلا ...
ظل المسئولون يتفادون لقاء المندوبين عن العمال وفي أحسن الأحوال يتسلم أحدهم عريضة مطلبية يعد بالنظر فيها بينما يفضل الوالي إرسال قوات الأمن للتكفل بإبلاغ العمال الرد المناسب على مطالبهم السلمية، قمع وتنكيل وكدمات وجروح واعتقالات هي الحصيلة التي يعود بها العامل إلى بيته في المساء بعد خروجه صباحا يطلب لقمة عيش كريمة وحق في الحياة يسلب منه شيئا فشيئا...
يعمل الجرنالية لدى شركات مناولة تعتبر الوسيط بينهم مع رب العمل الحقيقي الذي هو شركة اسنيم، تخصم هذه الشركات حوالي نصف الراتب الذي تمنحه الشركة لقاء العمل كأرباح خاصة بها في حين يبقى العامل الجرنالي بدون تأمين صحي او ضمان اجتماعي وهو ما يشكل مخالفة صريحة للاتفاقية الجماعية للشغل في البلاد، باختصار يقتات أصحاب شركات المناولة من عرق جبين العمال الجرنالية.
اليوم وبعد أن طفح الكيل علم العمال المعتصمون في مخيمهم في مدينة الزويرات أن الوالي الذي وعدهم بلقاء بعثة وزارية في الصباح قد غادر رفقتها تحت جنح الظلام نحو مدينة أطار، بدأت الاحتجاجات تتصاعد وشرعت قوات الأمن في ممارسة عملها المعتاد، لكن هيهات فقد قرر العمال هذه المرة الثبات ورد الصاع صاعين والبادئ أظلم...
جولة سريعة تمكن خلالها العمال من حرق مقر الولاية والاذاعة المجاورة له وبعض المقرات التابعة للدولة وشركة المناولة التي تشغلهم، بسط العمال سيطرتهم التامة على المدينة التي اختفت منها قوات الأمن تماما لكنه لم تحدث أية أعمال نهب وبقي المواطنون في منازلهم ومتاجرهم آمنين إلى أن تدخل الجيش لتأمين المدينة بطريقة حضارية وبدون أي احتكاك مع العمال الذين وعدهم أحد القادة بحل كافة المشاكل العالقة سريعا، وهي حسب علمي المرة الثانية التي يبسط فيها الجيش سيطرته على احدى المدن بعد اضرابات الخبز 1995، وقد تمكن الجيش من إرسال رسالتين مهمتين اليوم، أولاهما أن الجيش من الشعب ولا ينبغي لأحد أن يراهن عليه لقمع المواطنين بل إنه يتفهم مشاكلهم ويدعو لحلها، الرسالة الثانية مفادها أن الجيش لن يرضى بخروج الوضع عن السيطرة وسيتدخل لحفظ النظام عند أي إنفلات أمني وحينها قد يحدث ما لا تحمد عقباه.
رجع الوالي والوزراء وقادة الجيش والأمن إلى المدينة وبدأوا مفاوضات جدية هذه المرة مع الجرنالية لحل مشكلتهم، أصبح الجميع يخطب ود الجرنالية ويبحث عن أسرع طريقة لإرضائهم وتلبية مطالبهم التي أضحت بين عشية وضحاها الهم الأول للسلطات الحاكمة، لم يستغرق الأمر أكثر من بضع ساعات ليعلن فيها عن اتفاق يستجيب لأهم مطالب الجرنالية، تأمين صجي وضمان اجتماعي وتطبيق للمادة 57 من اتفاقية الشغل اضافة الى راتب شهر تقدمه لهم الحكومة كعلاوة نضالية وعدم متابعة أي طرف في الأحداث التي جرت...

بعد حل مشكلة جرنالية الزويرات سوف يعمد جرنالية انواذيبو وتازيازت وام سي ام والباحثون عن الماء والكهرباء والخدمات الصحية والناقلون وغيرهم من أصحاب الحراك المطلبي إلى التصدي للسلطات ومواجهة قمعها لهم، لن يقفوا بعد اليوم مكتوفي الأيدي يتلقون الضربات من هروات قوات الأمن وهم يهتفون سلمية سلمية تأسيا بحركة 25 فبراير وفلسفتها في حرب اللا عنف، فقد أثبتت السلطة حتى الآن أن العنف هو اللغة الوحيدة التي تفهمها وسيضطر المواطنون إلى اللجوء إلى ذلك فالكي آخر الدواء وعلى نفسها جنت براقش.

الاثنين، 13 مايو 2013

رحيل العالم القاضي محفوظ ولد امرابط

رحم الله العالم والشيخ الجليل رئيس المجلس الإسلامي الأعلى القاضي محفوظ ولد لمرابط الذي وافته المنية يوم أمس، عرف الفقيد بدماثة الخلق وحسن العشرة والظرافة والأدب، وقد تقلد عدة مناصب في الدولة الموريتانية كأستاذ جامعي وخبير في القانون الدستوري وقاضي قبل أن يتوج مسيرته المهنية كرئيس للمحكمة العليا فرئيس للمجلس الإسلامي الأعلى، ويكفي من مآثر الفقيد أنه كان عضوا في اللجنة التي عهد إليها في مطلع الثمانينات بموافقة القانون الجنائي الموريتاني مع الشريعة الإسلامية جعل الله ذلك في ميزان حسانته، ترك الفقيد ذرية مباركة طيبة بينهم أصدقاء أعزاء لي أتقدم إليهم بخالص العزاء وللأسرة الكريمة وللوطن، وانا لله وانا إليه راجعون

الجمعة، 19 أبريل 2013

جنرال الجمهورية الإسلامية ذات العلم الأخضر الذي يتوسطه هلال ونجمة


في الجمهورية الإسلامية ذات العلم الأخضر الذي يتوسطه هلال ونجمة ...
قام جنرال ذات يوم بالانقلاب على السلطة بعد عزله من منصبه كقائد لأركان الجيش وهو في سفر خارج البلاد، فقرر حينها القيام بردة الفعل المعهودة وأصدر أوامره لعساكره المخلصين أن يأتوه بالحاكم مقيدا حتى يكون عبرة لكل مدني يعتبر...
ظهر في صورة العسكري النزيه المدافع عن حقوق فقراء الجمهورية الإسلامية -وما أكثرهم- المخلص للبلاد والمصحح لأوضاعها، رمى خصومه بتهم الفساد والانحلال الأخلاقي والتآمر على الوطن وتقويض الأمن العام وزج بهم في السجون، شارك في انتخابات فصلها على مقاسه
...
قدم فروض الولاء والطاعة للدول الغربية حتى تغض الطرف عن ما خفي من أسراره وفضائحه فشكل رأس الحربة في مكافحة الإرهاب ولم يتورع عن فعل أي شيء للظفر برضاهم، حتى المساجد لم تسلم من بطشه.
بعد سنوات بدأت الفضائح بكل أنواعها تطفو على السطح وتحاصر الجنرال من كل حدب وصوب حتى أصبح عالة على حلفائه الغربيين فألقوا إليه بحبل المشنقة حين أرغموه على الدخول في معترك انتخابي شفاف ونزيه توج بفوز خصومه المناوئين لحكمه.
أعلن الجنرال في خطاب متلفز استمر زهاء الساعة تنحيه عن الحكم واللجوء خارج البلاد مستبقا بذلك ترتيبات لعزله تمهيدا لتقديمه للمحاكمة العادلة كان البرلمان يقوم بها
.
عاد جنرالنا منذ أيام للجمهورية الإسلامية وفتح القضاة ضده العديد من القضايا وحين أمر القاضي –الذي عزله الجنرال من منصبه أيام حكمه للبلاد-  بسجنه على ذمة التحقيق فر جنرالنا الباسل في وضح النهار رفقة حرسه الشخصيين من المحكمة لكنه أعيد إليها ليلا بصحبة فريق من قوات الشرطة الخاصة هذه المرة لتأمر بوضعه قيد الإقامة الجبرية في منزله في انتظار المثول من جديد أمام القضاء للنظر في تهم من بينها الخيانة العظمى وازدراء القضاء والتآمر والفساد...
هي الدنيا إن سرك زمن ساءتك أزمان، ليتعظ جنرالات الجمهورية الإسلامية ذات العلم الأخضر الذي يتوسطه هلال ونجمة