علي شريعتي

إذا لم تكن شاهدا على عصرك، ولم تقف في ساحة الكفاح الدائر بين الحق والباطل، وإذا لم تتخذ موقفا صحيحا من ذلك الصراع الدائر في العالم، فكن ما تشاء : مصليا متعبدا في المحراب أم شاربا للخمر في الحانات... فكلا الأمرين يصبحان سواء. د.علي شريعتي

الاثنين، 31 مارس 2014

الوجيز في عهود عزيز

تسعى مختلف الأطراف في الساحة السياسية إلى إجراء حوار مع النظام الحالي حول الانتخابات الرئاسية وتنظيمها وآلياتها، وبالرغم من أن غالبية هذه الأطراف وقعت اتفاقا ساميا في داكار وظلت طيلة السنوات الماضية تشكو تنكر رأس النظام لهذه الوعود، بل أنه وصل به الحد لإطلاق ما يعتبر نكتة قانونية لا مثيل لها حين صرح الرئيس بأنه غير معني باتفاق دكار لأنه حدث في دكار وليس في موريتانيا !
وأمام التهافت على النظام من قبل العديد من الذين يحلمون بأن الرئيس سيفي بوعوده التي تسيل اللعاب، ومن الساسة الذين يسعون إلى أن يعطيهم موثقا من الله على أن يحترم ما سيتفقون عليه، أجدني مضطرا إلى تذكير الجميع بأن الوعد الأكبر لأي رئيس هو احترام أسمى وثيقة قانونية في البلاد، ألا وهي الدستور الذي خرقه الرئيس مرات عدة –وإن كنت لست من الفقهاء الدستوريين- بالرغم من أنه أقسم بالله العظيم على مراعاة واحترام الدستور والقانون، والحنث باليمين كما هو معروف عند جهابذة الفقهاء الدستوريين يرقى للخيانة العظمى قبل أن تغمس تلك اليمين صاحبها في النار والعياذ بالله كما هو متعارف عليه عند أهل الشريعة.
وسنسرد في عجالة أهم الخروقات الدستورية التي لا يمكن تبريرها تحت أي ظرف كان مع بعض الحواشي نضعها بين قوسين:
-         المادة 24 من الدستور: رئيس الجمهورية هو حامي الدستور وهو الذي يجسد الدولة ويضمن، بوصفه حكما، السير المضطرد والمنتظم للسلطات العمومية. ( كلف المشرع رئيس الجمهورية بتطبيق القانون وحماية الدستور وهذا يعني أنه هو المسئول الأول عن أية خروقات تحدث)
-         المادة 27: تتعارض مهمة رئيس الجمهورية مع ممارسة أي وظيفة عمومية أو خصوصية ومع شغل منصب قيادي في أي حزب سياسي. (بغض النظر عن إدارة الرئيس لحزب الاتحاد، إلا أنه اعترف في لقاء الشباب قائلا: أنشأنا أحزابا للشباب وقمنا بدعمها ورعايتها...)
-         المادة 42: يقدم الوزير الأول برنامجه أمام الجمعية الوطنية في أجل أقصاه شهر واحد بعد تعيين الحكومة، عينت الحكومة بمرسوم صادر يوم 12 فبراير الماضي ولم تكلف نفسها عناء طلب الجمعية الوطنية.
-         68: ويتلقى البرلمان في نهاية كل ستة (6) أشهر بيانا حول مصروفات الأشهر الستة (6) المنصرمة، (حافظت الحكومة على خرق هذه المادة طيلة السنوات الماضية فلم تقدم أبدا كشفا للمصروفات السداسية رغم إلحاح نواب المعارضة على ذلك.)
-         المادة 92: تنشأ محكمة عدل سامية.
-         وتتشكل من أعضاء منتخبين، وبعدد متساو من بين أعضاء الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، بعد كل تجديد عام أو جزئي في الغرفتين، وتنتخب رئيسا من بين أعضائها. (لم يتم تجديد أعضاء المحكمة حتى الآن بالرغم من شغور منصب الرئيس ونائبه)
-         المادة 6 من قانون الجمعية الوطنية: تجري الجمعية الوطنية , في حالة شغور منصب الرئيس او مناصب عدة اعضاء في المكتب انتخابا جديدا وفقا للأشكال ذاتها , عند افتتاح الدورة الاولى بعد حدوث الشغور ( لم يتم انتخاب رئيس لمجلس الشيوخ بعد وفاته مع أنه تم انعقاد عدة دورات بعد ذلك)
-         المادة 9 من قانون الجمعية الوطنية:
-         يخلف مساعدو الرئيس الرئيس في حال غيابه او وجود مانع لمزاولته لمهامه وذلك حسب ترتيب انتخابهم .
وتقتصر مهام مساعد الرئيس المدعو لخلافته، على رئاسة المجلس وتمثيل الجمعية في المناسبات الرسمية. (يتضح من هذه المادة أنه في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية لا يمكن لنائب رئيس مجلس الشيوخ الحلول مكانه وهذا يعني أن البلاد ستدخل فراغا دستوريا خطيرا)
من جهة أخرى، فإن قانون الشفافية المالية الذي يلزم كل المسئولين السامين عند تعيينهم وانتهاء مهامهم بالكشف عن أموالهم المنقولة والثابتة وكذا أزواجهم وأبنائهم القصر، طبق هذا القانون مرة واحدة ولم تتلق لجنة الشفافية المالية تصريحات الوزراء والمسئولين الذين انتهت مهامهم ولا الذين زاولوا مهام جديد، بكل بساطة يتعامل النظام مع القوانين كلعبة بين يديه يستخدمها وقت ما شاء ويتركها حين يريد.
بعيدا عن احترام الرئيس تجاه القوانين وبروره لليمين الغموس التي أقسم بها أمام رؤوس الأشهاد، نورد بعض من أشهر الوعود التي قطعها على نفسه من قبل:
-         في نهاية شهر فبراير الماضي انهار جانب من المسجد العتيق في مدينة نواذيبو، ووفقا لما نقلته صحراء ميديا عن إمام المسجد محمد الأمين ولد عبدي سالم فإن الرئيس محمد ولد عبد العزيز سبق أن تعهد بإعادة ترميم المسجد، في زيارته السابقة للمدينة؛ "لكن هذا الوعد لم يتحقق بعد، رغم كل الجهود التي بذلت في هذا الصدد" حسب قوله.
-         قبل سنتين من الآن استقبل الرئيس في القصر مجموعة نشطاء قافلة الأمل الأخير الذين قدموا إلى انواكشوط من نواذيبو سيرا على الأقدام من أجل تلبية مطالبهم، وطبعا التزم لهم فخامته بتسوية كل تلك القضايا التي من بينها التعويض لأصحاب بعض الممتلكات التي هدمت في إطار إعادة تخطيط المدينة كما يقر بذلك الدستور والقانون العقاري والشريعة الإسلامية، وبينما نكتب هذه السطور فإنه لم يتم تسوية أي نقطة من تلك المظالم.
-         منذ ثلاث سنوات نظمت حركة 25 فبراير يوما وطنيا للمظالم وتحدث خلاله أحد الناشطين من ذوي الإعاقة وكان خطيبا مفوها، استدعاه الرئيس بعد ذلك في القصر وقدم له مطالب زملائه ووعده بالاستجابة الفورية لجميعها، ومن أجل المتابعة طلب صاحبنا من الرئيس وسيلة للاتصال عليه فزوده برقم هاتف أحد العناصر الأمنية المقربة منه، مضت الأيام ولم يف الرئيس بوعده وكان الرقم مغلقا على الدوام.
-         مساء الثامن والعشرين من ابريل 2012 خرجت جماهير نواكشوط بشكل غير مسبوق في مسيرات متجهة إلى القصر الرئاسي مستنكرين محرقة الكتب الفقهية التي أقدمت عليها جماعة ايرا في اليوم السابق للمسيرة، وقد استقبلت الجماهير من طرف الرئيس الذي قطع عهدا بإنزال أقصى العقوبات بفَعَلة هذا المنكر الشنيع، مضت الأيام وهاهم أصحاب المحرقة يتبجحون بفعلتهم حتى اليوم ويعتبرونها بطولة رغم أن المذهب المالكي يقضي بردتهم عن الإسلام وشرط التوبة الإقلاع والندم على ما فات.
-         بعد أن تطاول ذلك الخسيس على مقام أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم، استقبل الرئيس الجموع الغاضبة وأعلن أنه سيتم تطبيق شرع الله في هذا الخسيس وستحمي الدولة المقدسات الإسلامية وأن موريتانيا إسلامية وليست علمانية، كيفت تهمة المساس بالمقدسات والتي يستتاب صاحبها ويطلق سراحه مع أن شرع الله واضح في المسألة، ساب النبي يقتل حدا اذا تاب من فعلته ويقتل كفرا اذا بقي على أمره.
-         في الثالث من مارس تم تدنيس المصحف الشريف وتمزيقه في مسجد بتيارت، هذه المرة أرسل الرئيس أذرعه القمعية إلى المواطنين المنتصرين لكتاب الله فقتلت منهم من قتلت وجرح من جرح واعتقلت من قدم الماء للمتظاهرين، وقد بلغت الحكومة من الاستخفاف بعقول المواطنين أن تتهم ماعز تيارت بهذا الجرم الذي لم يتأكد حتى الآن حسب وصف ول عبد العزيز للحادث في لقائه مع الشباب، المفارقة هذه المرة أن الرئيس أكد على أن الدولة علمانية وذلك حين قال بضرورة فصل الدين عن السياسة !
ذلك غيض من فيض، يتضح من خلاله أن فخامته حنث اذ أقسم وأخلف اذ وعد وخان حين ائتمنه الرئيس المؤتمن، فهل أنتم منتهون ؟ ام أنكم لا تتعظون !


الثلاثاء، 25 مارس 2014

إيبولا على أبواب بلادنا


منذ شهر أعلن عن بؤرة لفيروس ايبولا في جنوب غينيا كوناكري أصيب به 80 شخصا توفي منهم 60، الفيروس فتاك ولا دواء يقضي عليه ويعتبر مسؤولا عن الإصابة بحمى نزيفية تؤدي غالبا إلى الوفاة.
ولا يخفى على الجميع أن غينيا كوناكري دولة متاخمة للسينغال وأن الحدود بين هذه البلدان تشهد نشاطا كبيرا وحركة دؤوبة، وهو ما جعل الخبراء يدقون ناقوس الخطر مبدين قلقهم من تفشي الوباء في غرب افريقيا بأسره.
ينتقل فيروس ايبولا إلى الإنسان عن طريق بعض الثدييات كالقرود والظباء، لكنه أيضا ينتقل بين البشر من خلال مخالطة افرازات المرضى (لعاب، بول) والعلاقات الجنسية والاتصال المباشر بدم المرضى ومؤخرا يجري الحديث عن إمكانية انتقال الفيروس عن طريق الهواء بين الأشخاص الذين يقطنون مع مصاب بالمرض، ومن المعروف أن الفيروس ينتقل بسرعة في الأوساط الطبية والمؤسسات الاستشفائية وخاصة لدى المعالجين من أطباء وممرضين حين لا يطبقون وسائل الوقاية، وقبل سنوات خسرت موريتانيا طبيبا وممرضين تعرضوا للعدوى من خلال معالجتهم لمريض يعاني حمى نزيفية اتضح فيما بعد أنه مصاب بفيروس كيريمي كونغو الذي أدى إلى حالة وبائية في بلادنا آنذاك.  
تعتبر فترة حضانة الفيروس قصيرة، فبعد أسبوع تقريبا من الإصابة بالفيروس تبدأ أعراض المرض والتي تتمثل في الحمى، الغثيان، التعب، الصداع، وإلتهاب الرقبة، وخلال أيام يعاني المريض من نوبات إسهال وتقيؤ حادة وطفح جلدي ثم تبدأ أعراض الفشل الكلوي والكبدي والنزيف الداخلي الذي يؤدي إلى الوفاة.
منذ سنوات تنصب الأبحاث حول لقاح مضاد لفيروس إيبولا وقد تمت تجربته على القردة حيث قدم نتائج جد مشجعة، إلا أنه في الوقت الحالي يبقى الحجر الصحي على المناطق الموبوءة وعزل المرضى اضافة إلى توخي الطاقم الطبي المعالج للحذر، أهم وسائل الوقاية من المرض وقانا الله منه.




السبت، 22 مارس 2014

ملاحظاتي على لقاء الشباب

في البداية أود أن أشير إلى أن لقاء السلطة الحاكمة مع المواطنين وبالأخص فئة الشباب هو أمر مهم في حد ذاته بغض النظر عن النتائج المتوخاة من هذا اللقاء، كما أن جلوس رئيس الجمهورية على مقاعد الدراسة في الجامعة لأول مرة في حياته يعد أمرا بالغ الأهمية ، وقد تمكنت كمتابع من بعيد للحدث من الخروج بعدة ملاحظات أردت أن أبديها في النقاط التالية:
1-  شارك في اللقاء 400 من الشباب أغلبهم من المستقلين او الذين كانوا يصنفون حتى عهد قريب من المعارضين للنظام الذي يصفونه بأبشع الأوصاف، وبصفة عامة يجب احترام رأي المشاركين وقناعتهم مهما كانت تخالفنا في الرأي فتلك هي أسس الديمقراطية وعلينا جميعا معارضين وموالين التحلي بها.
2-  ليست المرة الأولى التي ينظم فيها لقاء بين السلطة الحاكمة والشباب خاصة المناوئ لها، في منصف السبعينات نظم مؤتمر الشباب وشارك فيه المعارضون الذين انضموا للنظام القائم آنذاك وبالتالي تم ضخ دماء جديدة في الحزب الواحد.
3-   اختيار يوم 21 مارس للقاء ليس اعتباطيا فحسب الدستور الموريتاني فإن الرئاسيات ستكون يوم 21 يونيو، أي 90 يوما كاملة تفصلنا عن هذه الانتخابات وقد أراد النظام أن يبدأ أنشطة الحملة بهذا الحدث.
4-   تم اختيار الشباب المشاركين لعناية فائقة جدا، غاب العاطلون عن العمل والفقراء والمهمشون، وان وجدوا فكانوا يعدون على أصابع اليد الواحدة.
5-   كشف اللقاء عن ضعف كبير في مستوى الشباب العلمي والثقافي وخاصة المتدخلين في الليلة الأولى والذين كانوا الأوائل في ورشاتهم حسب مقدم البرنامج، أخطاء بالجملة وضعف في التعبير وركاكة في الأسلوب وعجز عن تهجئة الكلمات، ينطبق ذلك على أغلب المتحدثين بالفرنسية والعربية.
6-   طغت عقدة الفرنسية على أغلب الشباب وحتى أن أحدهم لم يستطع تهجئة كلمة بعد محاولتين فما كان منه إلا أن أبدل الراء غينا حتى يكون فرنسيا قحا.
7-   رغم كل ذلك كانت المداخلة مقبولة وأحيانا جيدة وتنزه العديد من المتدخلين عن التملق والتزلف للسلطة.
8-   أشيد بمداخلة الرائد الطبيب خالد ول بي الذي استثمر الفرصة ليحصل على وعد فوري بشراء أجهزة طبية مهمة لمستشفى القلب كما أنه كشف جانبا مهما من بيروقراطية الإدارة، أشيد أيضا بمداخلة الدكتورة عائشة بيها والتي عبرت عن أفكار اشتراكية بامتياز لا يسعني إلا أن أدعمها ومن أهمها علاج الفقراء مجانا على نفقة الدولة ورجال الأعمال، الأستاذ المعلوم أوبك من انواذيبو كان أيضا متميزا خاصة أنه فرض الكلام ودخل معه الرئيس في مشادة وجعلته يطرح عليه أحمق سؤال سمعته في حياتي: انت كم تخلص ؟؟؟؟
وطبعا فإن نجم اللقاء كان وبدون منازع الخبير المحاسبي الذي أربك حسابات الرئيس.
9-   يبدو أن الرئيس كان على علم ببعض الضيوف وكان ينتظر مداخلاتهم.
10-                   غابت البطالة عن مشاكل الشباب وتم لجم المتدخلين الذين حاولوا الحديث عنها، غابت أيضا مشاكل الجرنالية  وشركات المناولة و تازيازت وام سي ام التي وقع هذا النظام الحالي اتفاقيات معها تستفيد الدولة من عائداتها 4 % فقط !!!
11-                   بالرغم من أن بعض المشاركين في اللقاء يعتبرون من الحقوقيين والإعلاميين إلا أن أحدا لم يتذكر اسحاق ولد المختار او معتقلي اغوانتنامو او الدركي المختفي في ظروف غامضة.
12-                   أما نتائج التحقيق في حادث الطائرة التي راح ضحيتها بعض من خيرة شبابنا في القوات المسلحة فلم تحظ هي الأخرى بأي اهتمام، ولا الخطوات التي ستتبعها قوى القمع مستقبلا للحيلولة دون مواصلة قتل المتظاهرين الشباب من أمثال لامين مانكال وول المشظوفي وول المعلى ومؤخرا شهيد المصحف وقبل ذلك شباب آخرون قتلتهم قوى القمع الغادرة بدم بارد، لا أحد يهتم بهم.
13-                   لم يتم تذكير الرئيس بوعوده السابقة في تطبيق الشريعة بأصحاب محرقة الكتب الفقهية والمسيئين للعلماء وساب النبي صلى الله عليه وسلم، وحتى قضية تمزيق المصحف لم يطالب أحد باعتقال الماعز الذي تتهمه الحكومة بالقيام بها.
14-                   لم يتم أيضا الحديث عن الثراء الفاحش والسريع الذي لا تخطئه العين في زمرة الرئيس ومقربين منه كانوا معدمين قبل خمس سنوات.
15-                   باختصار لم يتم الحديث عن القضايا ذات الأهمية الكبرى او تلك التي قد تحرج رأس النظام، ولعل الشباب اختاروا برور والدهم وعدم احراجه او تعكير صفوه.
16-                   المستوي العلمي الهزيل للرئيس لم يمكنه من فهم مقترحات كانت ممتازة، مثل مداخلة خبيرة التغذية وكذلك حجب المواقع الإباحية والذي لا يتطلب غير برنامج بسيط.
17-                   اختار الرئيس تمرير عدة رسائل وخاصة إلى التيار الإسلامي يهدده فيها بالمواجهة، وذلك من خلال تكراره لسمفونية ول محم.
18-                   استبدل الرئيس عمامة رئاسة العمل الإسلامي بجاكيت أكثر حداثة وتقدمية، فقد كرر مرات عدة أن الدين يجب فصله عن السياسة فلا السياسة ينبغي لها التدخل في الدين ولا الدين ينبغي له أن يتدخل في السياسية "كل في فلك يسبحون"، هذا الخطاب العلماني يأتي بعد أن وعد الرئيس مرات بتطبيق الشريعة وبعدم قبول علمانية الدولة.
19-                   ذكر أيضا بالتحول الحاصل في السياسة الخارجية ومشاركة النظام في التحالف ضد قطر، وذلك حين ألمح إلى فساد حكامها وامتلاكهم لباريس وهي عبارات اختارها بعناية لأنها نفس العبارات التي يصف بها الإعلام الفرنسي الدوري القطري في بلاده.
20-                   نكتة اللقاء كانت متمثلة في النظرية العالمية الجديدة المتمحورة حول اللامركزية، لكي تقوم باللامركزية يجب أن تقوم بالمركزية، رئيس رؤساء افريقيا يسير على خطى ملك ملوكها.
21-                   أكد الرئيس وجود "فظمة" في كل الطاقم الحكومي والإداري حين أعلن أنه لا يستطيع أي واحد منهم صرف 20 أوقية دون إذنه ولا يستطيع القيام بشيء دون أمره وهذا يعني أن أصحاب المعالي مجرد وكافه في المسار الحانوتي، ولعله بذلك أراد أن يبعد عن نفسه تهمة وكاف الحانوت.
22-                   دعم الرئيس لمبادرة الشاب الصغير التي قال أنه سيخصصها للتصفيق والرقص خلف عزيز وارتياحه لها يوحي بأن الأهمية الحقيقية للقاء هو المشاركة الفعالة في الحملة الرئاسية.

الأربعاء، 19 مارس 2014

الطيور على أشكالها تقع

"وقد تباحث الطرفان المواضيع ذات الاهتمام المشترك وأتفقا على تنسيق المواقف فيها"
كانت هذه العبارات القليلة أهم ما رشح –على قلته- عن الزيارة الخاطفة التي أداها الرئيس محمد ولد عبد العزيز قبل يومين إلى جمهورية غينيا الاستوائية والتي وصفتها بعض وسائل الإعلام بالزيارة "غير واضحة المعالم والأهداف"، لم أفتأ أطرح على نفسي التساؤل عن  ماهية القضايا ذات الاهتمام المشترك بين الطرفين وما يجمع بينهما من مسائل تستدعي من ول عبد العزيز أن يستجدي نصح العجوز الغيني الذي جاوز السبعين خريفا ؟
لم يحظ  الرئيس الغيني اتيودور انغيما في صغره بالكثير من التعليم وحتى أنه كاد يضيع مستقبله بسبب ممارسته للسطو والبلطجة، وكان ذلك ما دفع ابن عمه الضابط العسكري فرانشيسكو انغيما إلى تعهده وادخاله إلى مدرسة أبناء حرس الحدود في المستعمرة الإسبانية عام 1963 ليتم تأهيله فيها خلال سنة مكنته من اللحاق بالأكاديمية العسكرية في سراقسطة حيث تخرج منها جنديا سائقا وميكانيكيا للسيارات.
غداة استقلال البلاد أضحى ابن عمه ومتعهده رئيسا للبلاد وهو ما مكن صاحبنا من العمل مديرا للعتاد في وزارة الدفاع ثم قائدا لقوات النخبة المتواجدة في العاصمة ثم قائدا للجيش ونائبا لوزير الدفاع،  وفي صبيحة الثالث من أغشت 1979 أعلن المجلس الأعلى بقيادة تيودور انغيما أن النظام البائد تم وضع حد لسلطاته.
منذ ذلك الحين واتيودور هو الزعيم الأوحد للبلاد التي صنفتها منظمة " انترناسيونال ناركوتيكس باورد" كأحد أكبر البلدان المصدرة للمخدرات في افريقيا، فضلا عن أنه تم اعتقال عديد الأشخاص المقربين من النظام بتهمة تهريب المخدرات.
قبل سنوات أصبحت غينيا الاستوائية ثالث أكبر مصدر للنفط في افريقيا وتبلغ عائداتها سنويا أزيد من 3 مليارات دولار، ومع كل ذلك يعيش غالبية السكان البالغ عددهم نصف مليون نسمة بأقل من دولار في اليوم حسب منظمة الأمم المتحدة مع أنه من الناحية النظرية يجب أن يبلغ متوسط دخل الفرد من الناتج المحلي أزيد من 26 ألف دولار سنويا.
في مقابلة له مع فرانس 24 صرح الرئيس الغيني الاستوائي أنه لا يتقاضى أي راتب من الخزينة العمومية لأنه يعف عن المال العام ويتنزه عنه، سأله الصحفي ولكن كيف تعيش؟ فكان جوابه: الحمد لله انا مدير للعديد من الشركات ومستثمر ومقاول كبير وأعيش من عائداتها !
تصنف مجلة فوربس الرئيس اتيودور كأحد أغنى الرؤساء في العالم بثروة تقدر بحوالي 600 مليون دولار، فهو المقاول الأول في بلاده كما أنه المستثمر الأول في شركات المعادن والنفط والمحروقات والخدمات والنقل و ....، لا ينافسه في ذلك غير نجله اتيودور الصغير الذي تلاحقه المنظمات الدولية في فرنسا وجنوب افريقيا والولايات المتحدة بسبب ثرائه الفاحش والمشبوه.
 لا نحتاج اذا الى كبير جهد لفك طلاسم القضايا المشتركة بين الرئيسين عزيز واتيودور، بل تكاد سيرتهما تتطابق، فهذا ول عبد العزيز لم يتحصل على أي شهادة مدرسية وعاش طفولة عرفت نوعا من التسيب قبل أن يلتقطه ابن عمه ويتعهده في المؤسسة العسكرية التي كونته في ميكانيكا وسياقة السيارات وعمل لاحقا في ادارة العتاد بالقوات المسلحة ثم قائدا لقوات النخبة في العاصمة فقائدا للأركان الخاصة دون أن ننسى قلبه لظهر المجن على ولي نعمته وابن عمه، ولعله من الطرافة أن عزيز واتيودور وصلا للسلطة عبر انقلاب في الثالث من أغشت وترأس كل منهما المجلس الأعلى للدولة.
لم يكن عزيز أيضا بمنأى عن تهم الاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال ولعله اعترف ببعضها في لقاء الشعب بمدينة النعمة لكنه اعتبر ذلك قبل توليه الرئاسة، بعد توليه الرئاسة أصبح ول عبد العزيز مقاولا ومستثمرا في عدة مجالات وخاصة المحروقات والمعادن والطرق والعقار وغيرها من المجالات المدرة للثراء وبأي ثمن، يرتبط اسم أحد أبناء عزيز بصفقات مشبوهة كبيرة ولعل آخرها صفقة بناء محطة انواكشوط الكهربائية التي اعتذر البنك الاسلامي للتنمية عن تمويلها بسبب فساد شابها قبل أن يتدارك الأمر ويعلن أنه قرر دراسة جديدة لتمويل المشروع ربما ستأخذ بعين الإعتبار الموقف من التيار الإسلامي ومضايقة بعض رموزه، وجه الإختلاف الوحيد بين الزعيمين لعله يتلخص في تورع رئيس غينيا عن راتبه ومستحقاته وهو ما لم يقتنع به نظيره الموريتاني.
تلك هي باختصار المواضيع ذات الاهتمام المشترك بين فخامة القائدين الذين يتربعان على ثروات طائلة ويعيش أبناء شعبهم في فقر مدقع، ولكم إخوتي الأعزاء أن تتوجسوا خيفة من التنسيق الذي سيتم في الفترة القادمة بينهما، وقديما قيل أن الطيور على أشكالها تقع.