علي شريعتي

إذا لم تكن شاهدا على عصرك، ولم تقف في ساحة الكفاح الدائر بين الحق والباطل، وإذا لم تتخذ موقفا صحيحا من ذلك الصراع الدائر في العالم، فكن ما تشاء : مصليا متعبدا في المحراب أم شاربا للخمر في الحانات... فكلا الأمرين يصبحان سواء. د.علي شريعتي

الجمعة، 21 فبراير 2014

ضحايا الميدان بين القاهرة وكييف

وحدات كومندوز المعارضة الأوكرانية
" ما حدث لا يمكن وصفه ولا تبريره ولا التغاضي عنه "
بهذه الكلمات وصف الرئيس الفرنسي الهجوم الذي قامت به قوات مكافحة الشغب الأوكرانية يوم الثلاثاء الماضي على ساحة "الميدان" في العاصمة كييف والذي خلف سبعة قتلى من المعارضين المعتصمين واثنين من الشرطة إضافة إلى عشرات الجرحى في صفوف الطرفين.
تعود الأزمة الأوكرانية الحالية إلى قرار الرئيس يانوكوفيتش إدارة ظهره للاتحاد  الأوروبي وتوقيع اتفاق شراكة مع روسيا مقابل وعود بمساعدة مالية تفوق ما عرضه الأوربيون قبل شهرين من الآن،  حينها قرر المعارضون المقربون من بروكسل استلهام تجربة الشباب العربي ومحاكاة ربيعهم مع أنهم حازوا فضل السبق في التغيير الثوري عبر ثورتهم البرتقالية عام 2004 ، احتشد المعارضون في ساحة الاستقلال التي أطلقوا عليها اسم "الميدان" تيمنا بميدان التحرير في أرض الكنانة.
في التاسع عشر من يناير الماضي حصلت أول صدامات بين الشرطة والمحتجين الذين أطلقوا حملة للسيطرة على المباني الحكومية بغية حمل النظام على الاستجابة لمطالبهم، وحدات كوماندوز من اليمين المتطرف تلبس ملابس عسكرية ومدربة تدريبا جيدا استطاعت إلحاق الهزيمة بالشرطة والسيطرة على الأماكن الإستراتيجية في كييف ومدن غرب البلاد.
في الجانب الآخر من العالم، أطلقت ماكنة القتل التابعة للمؤسسة العسكرية والأمنية المصرية حملة ضد الإخوان المسلمين وكل من تسول له نفسه أن يهتف بغير "كمل جميلك يا سيسي ..." وذلك غداة انقلاب الثالث من يوليو والذي وأد التجربة الديمقراطية المصرية الفتية واصاب الربيع العربي بنكبة جديدة في بلاد أدمنت النكبات.
 مع كل إشراقة شمس كنا نستيقظ على قتلى وجرحى بالعشرات في صفوف المتظاهرين والمعتصمين السلميين إلى أقصى درجة حتى أنهم حملان وديعة مقارنة بمعتصمي "الميدان" في أوكرانيا، لا دروع واقية من الرصاص ولا تدريبات عسكرية ولا أسلحة خفيفة، باختصار مجردين من كل سلاح إلا من الشجاعة والإقدام –وهو قتال- الذي جعلهم يحمون ميادين اعتصامهم بصدورهم العارية التي يتلقون بها لوابل الرصاص الحي المنهمر كالثلوج المتساقطة في ساحة "الميدان " بكييف
صبيحة 14 أغشت قرر الفريق السيسي أن يفض اعتصام ميدان رابعة العدوية بالقوة حيث تعتصم هناك القيادات الرافضة للانقلاب ومعها عشرات الآلاف من المواطنين السلميين، هجمت العساكر في الساعات الأولى من الصباح مخلفة زهاء الألف قتيل وآلاف الجرحى.
مارست الحكومات الغربية المنافقة الصمت تجاه هذه المجازر وكأن الدماء التي أريقت ليست دماء بشرية، أما حكومات البلدان الشقيقة فقد باركت الأمر بل بلغ ببعض الحكام جرأتهم على الله أن جعلوا من تلك الأرواح التي أزهقت بضاعة مزجاة.
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة . . على المرء من وقع الحسام المهند
قبل أيام أدى الفريق الملطخة أياديه بالدماء عبد الفتاح السيسي زيارة إلى روسيا التي تبدو وكأنها أرادت أن تستلهم الحل السحري الذي توصل إليه السيسي في مصر من أجل إنهاء الاعتصامات في ميادين مصر، كان الحل بسيطا جدا وفعالا لدرجة أن الرئيس المصري قرر مؤخرا ترفيع رتبة الفريق السيسي إلى مشير نتيجة لاكتشافه العظيم، بكل بساطة يجب القضاء على المعتصمين بدل القضاء على الاعتصامات.
ولعله من باب الصدفة أن الرئيس الأوكراني زار روسيا مباشرة بعد السيسي وعاد لبلاده بأفكار جديدة هذه المرة، أعلن المحتجين والمعتصمين جماعات إرهابية وكلف القوات الخاصة بفض كل الاعتصامات والسيطرة على كل الميادين والقضاء على الإرهابيين، لكن ما غاب عن الرئيس الأوكراني وحليفه الروسي أن الغرب المنافق يعتبر ما يجري في عروق الأوكرانيين دماء زكية يجب الحفاظ عليها ولا يقبل إراقتها وكأن ما يجري في عروق العرب والمسلمين مجرد مياه، كما أن المعتصمين في ميادين كييف يملكون من السلاح والقوة ما يدافعون به عن أنفسهم ويأمنون به مكر وغدر القوات الخاصة على العكس من الأشقاء المصريين المسالمين.
بعد معارك دموية استخدم فيها الطرفان الذخيرة الحية سقطت حوالي 80 ضحية وردت القوات الخاصة على أعقابها تجر ذيل الهزيمة، أما في مدن غرب البلاد فقد سيطر المحتجون على مقرات الشرطة والمحافظات حتى أنهم اقتادوا حاكم إحدى الولايات إلى ميدان اعتصامهم وربطوه في عمود كهرباء.
لم يضيع الأوربيون وقتهم في عزف سمفونية الإدانة والشجب والاستنكار فالمقام مقام أفعال لا أقوال، أعلنوا فورا عن حزمة عقوبات على المسئولين الذين تلطخت أيديهم بدماء المتظاهرين الزكية وكذلك فعلت أمريكا، بعثة وزارية أرسلت على عجل إلى كييف توصلت إلى إقناع الرئيس يونوكوفيتش بجنوحه للسلم وتلبية مطالب المعارضة التي كان من أبرزها عودة البلاد إلى دستور 2004 الذي يقر النظام البرلماني بدل الرئاسي المتبع حاليا إضافة إلى الدعوة إلى انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة والعفو عن رئيسة الوزراء السابقة، البرلمان بدوره أقر قانونا يجرم استخدام الشرطة للعنف ضد المتظاهرين وفور توقيعه أمر رئيس البرلمان الشرطة بالعودة لقواعدها فورا.
حقنت الدماء الزكية في ميدان كييف خلال يومين وأرغم أوباما بوتين أن يقبل ولو على مضض بالتخلي عن حليفه التاريخي الأقرب إليه، وما زالت ميادين مصر وبيوت سوريا وقرى مسلمي وسط افريقيا واقليم أركان في بورما تنتظر نخوة معتصم من الأشقاء او صحوة ضمير من الأصدقاء الحقيقيين وهم قلائل عند النوائب، وسيبقى التاريخ شاهدا على ازدواجية معايير وقيم الإنسانية التي يتشدق بها الغرب المنافق.